القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
+7
دادي
Kojack
tarzan
عربي
Saad Eddine
Admin
ام بدر
11 مشترك
- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الثلاثاء 28 يونيو 2011 - 23:44
أروع القيم الحضارية في سيرة خير البرية...
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (التوبة:129-129)
المقـــدمة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله صحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الإنس والجن لغاية عظيمة ومقصد جليل وهو تحقيق العبودية الاختيارية له سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56) ولما كانت العقول البشرية قاصرة وغير مستقلة بمعرفة صفات الخالق ومعرفة حقوقه على عباده، وما أعده الله لمن يطيعه، أو توعد به من خالف أمره، كان من كمال علمه وحكمته سبحانه أن اختار لتبليغ رسالاته وتأدية أماناته أكمل الناس خلقا وخلقا، وأشرفهم طبعا ومعدنا، قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: من الآية124).
هذا، ولم يبعث الله إلى خلقه ملكا لا يفتر في عبادة، ولا خلقا آخر من عنده لا يشبع من لهو أو لعب، لأن مقاصد الرسالة الإلهية ترمي إلى تأهيل الإنسان لأداء دور الخلافة في الأرض التي هي عبادة الله وتعمير الأرض على مقتضى المنهج الرباني.
ولذلك كان رسل الله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ورجالا لهم أزواج وذرية، ومتصفين بكل كمال بشري ممكن، ومتجردين عن كل نقص ورذيلة، ولم يكن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بدعا من الرسل ولا استثناء منهم في شيء من ذلك قال تعالى:[color=red] {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا or=red]]إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (الكهف: من الآية110) بل كان عليه السلام أكملهم جميعا على الإطلاق، إذ جمع الله في شخصه من الكمالات ما لم يجتمع لأحد منهم، فعلم البشرية دينها بكمال إيمانه بالله وعظيم تقواه إياه، وأرشدهم إلى مكارم الأخلاق بنقاء شمائله، وهداهم إلى مصالح الدنيا بحسن سياسته وعدالة أحكامه.
غير أن بعض الناس قد يقع ضحية تضليل إعلامي، أو يصدق من يمتهن الكتابة والتأليف وهو عار عن الإنصاف والموضوعية، فيؤمن بما يثير حول هذا النبي الكريم من شبهات، وما يلصق بعرضه من نقائص، فيعمى بصره عن جمال سيرته، ويحال دون أنفه من طيب خصاله، وبالتالي يصرف عن هديه، وقد كان سهلا عليه أن يدرك الحقيقة وأن يزيل عن بصره الغشاوة، لو سأل المحققين من أهل العلم من المسلمين، أو راجع المنصفين من الكتاب من غيرهم، ليجد الحقائق التاريخية والشرعية متضافرة لتبرئة النبي الكريم من كل رذيلة وفضيحة.
التمهيد:
الواقع والواجب في الواقع
مناسبة كتابة هذا البحث هي تنامي ظاهرة الإساءة إلى الإسلام، وتتابع حملات الطعن في مقدسات المسلمين، والسخرية من شعائرهم وشرائعهم، في حملات مسعورة يقودها ساسة ورجال دين، تساندهم وسائل إعلام متنوعة، إلى أن وصلت هذه الحملات للتعرض لرسول الله بالإساءة إلى شخصه الكريم، وتناول زوجاته الطاهرات، والتشويه لجهاده في سبيل الله...
حيث نشرت صحيفة (jyllads-posten ) الدنمركية صورا كركتيرية تمثل رسول الله في صورة الشهواني اللاهث وراء النساء، والسفاح المتعطش للدماء، والهمجي المتجرد من كل قيم الإنسانية والحضارة!!
وتبعتها صحف أخرى نرويجية، ثم فرنسية، وهلم جرا...
وانفجر الشارع الإسلامي غضبا وغيظا، وتعالت الأصوات بالإدانة والاستنكار، فنظمت المظاهرات، وتليت الخطب الحماسية، بل وأحرقت الأعلام والسفارات، ونودي للمؤتمرات، غير أن الكثير من هذه الأعمال بغض النظر عن مدى شرعية بعضها و جدواها أو عدمهما، تفتقد إلى أبسط مواصفات النصرة الحقيقية للمصطفى ، إذ أن نصرته ليست غضبة عارمة لا تلبث أن تهدأ، ولا مظاهرة شاغبة لا ترمي إلى هدف، ولا ترتيل لقائمة اللعنات المهلكة لليهود والنصارى، وتارة لحكام المسلمين وغيرهم...
إن النصرة الحقيقية لرسول الله ينبغي أن تكون نصرة علمية تخاطب في الناس عقولهم وفطرهم، وليست عاطفية تفقد البصيرة ولا تهدي الخصم.
ويجب أن تكون نصرة عملية تسلك المنهج الشرعي في الانتصار، وتستفيد من الأساليب والوسائل الفعالة، وتسعى لتحصيل المصالح وتكثيرها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وليست مثالية تحلق في خيال جانح، لا تراعي قاعدة شرعية، ولا مصلحة إنسانية، فتجني على نفسها قبل عدوها.
ولا بد أن تكون هذه النصرة شاملة تنتظم كل غيور من الأمة وكل منصف من البشر، لا يقوم بها فئة دون أخرى، فللعلماء دورهم في توعية الجماهير وإرشادهم، وللأمراء دورهم في حماية مقدسات الإسلام بما في أيديهم من سلطة ونفوذ، كما للتجار دورهم في نصرة المصطفى ليس فقط في مقاطعة بضائع الأعداء، ولكن أيضا في دعم كل مشروع جاد لنصرة النبي الكريم ، فنصرة المصطفى فريضة على كل مسلم ومسلمة(1).
وأخيرا يجب أن تكون نصرة دائمة تستغرق كل حياتنا، فلا ننصر رسول الله في يوم دون يوم، ولا في شهر دون شهر، ولا سنة دون أخرى، فننصره أولا في أنفسنا بعد الإيمان به باتباع سنته وهديه وعدم التقدم بين يديه في شيء، وترك البدع والمحدثات في الدين، حتى يأتينا اليقين ونحشر يوم القيامة معه ومع صحابته الكرام رضي الله عنهم، فنحظى بشفاعته ، ونسقى من حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا.
هذا، وإليكم مشاركة متواضعة في النصرة الحقيقية للمصطفي ، تشتمل على تحقيق علمي حول ما أثير من شبهات حول تعدد زوجاته، وحول جهاده، وحول أخلاقه وشمائله، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبلها قبولا حسنا، ويثقل بها موازين حسناتنا يوم القيامة، وأن ينيلنا بها ووالدينا وجميع المسلمين شفاعة رسوله الكريم، آمين.
الفصل الأول:
القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
إن من أكثر الشبهات إثارة حول رسول الله محمد كونه متزوجا بعدد كبير من النساء، فاق العدد المسموح به في الشريعة الإسلامية لكل مسلم، ولم يجد مثيرو هذه الشبهة أو لم يريدوا أن يجدوا مفسرا لهذا الأمر غير قولهم: (إن محمدا رجل شهواني..)! وفي هذا الفصل سوف نفند شبهتهم،ونزيل التهمة عن سيد ولد ابن آدم، بما نورده إن شاء الله من حقائق تاريخية،ومقررات شرعية، تهتك ستر هذه الفرية وتكشف زيفها.
المبحث الأول:
كون زواجه من كمال بشريته
إن مما أجمع عليه العقلاء وتواطأ عليه الفضلاء أن الزواج بالنسبة للبالغين من الرجال كمال وليس نقصا، وما ينتج عنه من أولاد وذرية مما طبع كل إنسان على محبته والاعتزاز به، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران:14) ولذلك نرى ذكور كل شعب وقبيلة من البشر يتزوجون إذا بلغوا مبلغ الرجال، ويعدون من لم يتزوج منهم أو لم يقدروا على النكاح ناقصين غير كاملين، وكذلك الأديان السماوية شرعت للناس الزواج عند توفر الشروط المادية والمعنوية، وعلى رأس من شرع لهم الزواج أنبياء الله تعالى ورسله قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} (الرعد: من الآية38).
ولذلك كان زواج رسول الله دليلا عمليا على كمال بشريته، حيث تزوج لما بلغ الخامس والعشرين من عمره، بالسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكانت قبله تحت عائذ بن عبد الله بن مخزوم فمات عنها فتزوجها بعده أبو هالة بن زرارة التميمي، ثم مات عنها ثم تزوجها رسول الله بعد أن أبدت له رضي الله عنها رغبتها في الزواج به ، لما رأت من سجاياه الكريمة وشيمه النبيلة(1)، فبعثت إليه تقول: يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك، وحسن خلقك وصدق حديثك، وكانت رضي الله عنها يومئذ من أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا وأكثرهن مالا، فذكر رسول الله ذلك لأعمامه، فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب وعمه أبو طالب، حتى دخلوا على والدها خويلد فخطبوها إليه فزوجها, وأصدقها رسول الله عشرين بكرة، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، ورزق الرسول من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ستة من الولد هم القاسم وعبد الله ورقية وزينب وفاطمة و أم كلثوم، ولم يرزق من غيرها ولدا، إلا من مارية القبطية أم إبراهيم عليه السلام(2).
ولم يتزوج بامرأة أخرى في حياة خديجة رضي الله عنها، ثم تزوج بمكة سودة بنت زمعة وهي ثيب إذ كانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو، وكان قد هاجر إلى الحبشة فتنصر ومات بها كافرا فزوجه بها والدها زمعة بن قيس، ثم تزوج بعدها عائشة بنت أبي بكر الصديق، وكانت صغيرة السن، فلم يبن بها حتى هاجر إلى المدينة، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة
السهمي و استشهد في غزوة أحد، ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية المخزومي، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد، ثم تزوج زينب بنت خزيمة أم المساكين، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب، ثم تزوج جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار الخزاعية من بني المصطلق، وكانت قبله عند مالك بن صفوان المصطلقي، ثم تزوج أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان وكانت قبله عند عبيد الله بن جحش وهو من مهاجرة الحبشة وتنصر ومات بها، ثم زوجه الله زينب بنت جحش وكانت قبله تحت زيد بن حارثة مولى رسول الله ، ثم تزوج صفية بنت حيي بن أخطب وكانت قبله عند سلام بن مشكم ثم كنانة بن الربيع، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية وكانت قبله عند عمير بن عمرو الثقفي ثم عمير أبى زهير، ثم تزوج شراف بنت خليفة الكلبي وتوفيت قبل أن يبني بها، ثم تزوج الشنباء بنت عمرو الغفارية، فلما مات إبراهيم قالت: لو كان نبيا ما مات ولده فطلقها، ثم تزوج عربة بنت جابر الكلابية، فلما قدمت إليه استعاذت منه بالله ففارقها، ثم تزوج العالية بنت ظبيان، بنى بها ثم فارقها وردها إلى أهلها لعلة كانت بها، وتسرى رسول الله بمارية بنت شمعون القبطية وريحانة بنت زيد القرظية
يتبع
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (التوبة:129-129)
المقـــدمة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله صحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الإنس والجن لغاية عظيمة ومقصد جليل وهو تحقيق العبودية الاختيارية له سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56) ولما كانت العقول البشرية قاصرة وغير مستقلة بمعرفة صفات الخالق ومعرفة حقوقه على عباده، وما أعده الله لمن يطيعه، أو توعد به من خالف أمره، كان من كمال علمه وحكمته سبحانه أن اختار لتبليغ رسالاته وتأدية أماناته أكمل الناس خلقا وخلقا، وأشرفهم طبعا ومعدنا، قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (الأنعام: من الآية124).
هذا، ولم يبعث الله إلى خلقه ملكا لا يفتر في عبادة، ولا خلقا آخر من عنده لا يشبع من لهو أو لعب، لأن مقاصد الرسالة الإلهية ترمي إلى تأهيل الإنسان لأداء دور الخلافة في الأرض التي هي عبادة الله وتعمير الأرض على مقتضى المنهج الرباني.
ولذلك كان رسل الله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ورجالا لهم أزواج وذرية، ومتصفين بكل كمال بشري ممكن، ومتجردين عن كل نقص ورذيلة، ولم يكن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بدعا من الرسل ولا استثناء منهم في شيء من ذلك قال تعالى:[color=red] {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا or=red]]إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (الكهف: من الآية110) بل كان عليه السلام أكملهم جميعا على الإطلاق، إذ جمع الله في شخصه من الكمالات ما لم يجتمع لأحد منهم، فعلم البشرية دينها بكمال إيمانه بالله وعظيم تقواه إياه، وأرشدهم إلى مكارم الأخلاق بنقاء شمائله، وهداهم إلى مصالح الدنيا بحسن سياسته وعدالة أحكامه.
غير أن بعض الناس قد يقع ضحية تضليل إعلامي، أو يصدق من يمتهن الكتابة والتأليف وهو عار عن الإنصاف والموضوعية، فيؤمن بما يثير حول هذا النبي الكريم من شبهات، وما يلصق بعرضه من نقائص، فيعمى بصره عن جمال سيرته، ويحال دون أنفه من طيب خصاله، وبالتالي يصرف عن هديه، وقد كان سهلا عليه أن يدرك الحقيقة وأن يزيل عن بصره الغشاوة، لو سأل المحققين من أهل العلم من المسلمين، أو راجع المنصفين من الكتاب من غيرهم، ليجد الحقائق التاريخية والشرعية متضافرة لتبرئة النبي الكريم من كل رذيلة وفضيحة.
التمهيد:
الواقع والواجب في الواقع
مناسبة كتابة هذا البحث هي تنامي ظاهرة الإساءة إلى الإسلام، وتتابع حملات الطعن في مقدسات المسلمين، والسخرية من شعائرهم وشرائعهم، في حملات مسعورة يقودها ساسة ورجال دين، تساندهم وسائل إعلام متنوعة، إلى أن وصلت هذه الحملات للتعرض لرسول الله بالإساءة إلى شخصه الكريم، وتناول زوجاته الطاهرات، والتشويه لجهاده في سبيل الله...
حيث نشرت صحيفة (jyllads-posten ) الدنمركية صورا كركتيرية تمثل رسول الله في صورة الشهواني اللاهث وراء النساء، والسفاح المتعطش للدماء، والهمجي المتجرد من كل قيم الإنسانية والحضارة!!
وتبعتها صحف أخرى نرويجية، ثم فرنسية، وهلم جرا...
وانفجر الشارع الإسلامي غضبا وغيظا، وتعالت الأصوات بالإدانة والاستنكار، فنظمت المظاهرات، وتليت الخطب الحماسية، بل وأحرقت الأعلام والسفارات، ونودي للمؤتمرات، غير أن الكثير من هذه الأعمال بغض النظر عن مدى شرعية بعضها و جدواها أو عدمهما، تفتقد إلى أبسط مواصفات النصرة الحقيقية للمصطفى ، إذ أن نصرته ليست غضبة عارمة لا تلبث أن تهدأ، ولا مظاهرة شاغبة لا ترمي إلى هدف، ولا ترتيل لقائمة اللعنات المهلكة لليهود والنصارى، وتارة لحكام المسلمين وغيرهم...
إن النصرة الحقيقية لرسول الله ينبغي أن تكون نصرة علمية تخاطب في الناس عقولهم وفطرهم، وليست عاطفية تفقد البصيرة ولا تهدي الخصم.
ويجب أن تكون نصرة عملية تسلك المنهج الشرعي في الانتصار، وتستفيد من الأساليب والوسائل الفعالة، وتسعى لتحصيل المصالح وتكثيرها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وليست مثالية تحلق في خيال جانح، لا تراعي قاعدة شرعية، ولا مصلحة إنسانية، فتجني على نفسها قبل عدوها.
ولا بد أن تكون هذه النصرة شاملة تنتظم كل غيور من الأمة وكل منصف من البشر، لا يقوم بها فئة دون أخرى، فللعلماء دورهم في توعية الجماهير وإرشادهم، وللأمراء دورهم في حماية مقدسات الإسلام بما في أيديهم من سلطة ونفوذ، كما للتجار دورهم في نصرة المصطفى ليس فقط في مقاطعة بضائع الأعداء، ولكن أيضا في دعم كل مشروع جاد لنصرة النبي الكريم ، فنصرة المصطفى فريضة على كل مسلم ومسلمة(1).
وأخيرا يجب أن تكون نصرة دائمة تستغرق كل حياتنا، فلا ننصر رسول الله في يوم دون يوم، ولا في شهر دون شهر، ولا سنة دون أخرى، فننصره أولا في أنفسنا بعد الإيمان به باتباع سنته وهديه وعدم التقدم بين يديه في شيء، وترك البدع والمحدثات في الدين، حتى يأتينا اليقين ونحشر يوم القيامة معه ومع صحابته الكرام رضي الله عنهم، فنحظى بشفاعته ، ونسقى من حوضه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا.
هذا، وإليكم مشاركة متواضعة في النصرة الحقيقية للمصطفي ، تشتمل على تحقيق علمي حول ما أثير من شبهات حول تعدد زوجاته، وحول جهاده، وحول أخلاقه وشمائله، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبلها قبولا حسنا، ويثقل بها موازين حسناتنا يوم القيامة، وأن ينيلنا بها ووالدينا وجميع المسلمين شفاعة رسوله الكريم، آمين.
الفصل الأول:
القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
إن من أكثر الشبهات إثارة حول رسول الله محمد كونه متزوجا بعدد كبير من النساء، فاق العدد المسموح به في الشريعة الإسلامية لكل مسلم، ولم يجد مثيرو هذه الشبهة أو لم يريدوا أن يجدوا مفسرا لهذا الأمر غير قولهم: (إن محمدا رجل شهواني..)! وفي هذا الفصل سوف نفند شبهتهم،ونزيل التهمة عن سيد ولد ابن آدم، بما نورده إن شاء الله من حقائق تاريخية،ومقررات شرعية، تهتك ستر هذه الفرية وتكشف زيفها.
المبحث الأول:
كون زواجه من كمال بشريته
إن مما أجمع عليه العقلاء وتواطأ عليه الفضلاء أن الزواج بالنسبة للبالغين من الرجال كمال وليس نقصا، وما ينتج عنه من أولاد وذرية مما طبع كل إنسان على محبته والاعتزاز به، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران:14) ولذلك نرى ذكور كل شعب وقبيلة من البشر يتزوجون إذا بلغوا مبلغ الرجال، ويعدون من لم يتزوج منهم أو لم يقدروا على النكاح ناقصين غير كاملين، وكذلك الأديان السماوية شرعت للناس الزواج عند توفر الشروط المادية والمعنوية، وعلى رأس من شرع لهم الزواج أنبياء الله تعالى ورسله قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} (الرعد: من الآية38).
ولذلك كان زواج رسول الله دليلا عمليا على كمال بشريته، حيث تزوج لما بلغ الخامس والعشرين من عمره، بالسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكانت قبله تحت عائذ بن عبد الله بن مخزوم فمات عنها فتزوجها بعده أبو هالة بن زرارة التميمي، ثم مات عنها ثم تزوجها رسول الله بعد أن أبدت له رضي الله عنها رغبتها في الزواج به ، لما رأت من سجاياه الكريمة وشيمه النبيلة(1)، فبعثت إليه تقول: يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك، وحسن خلقك وصدق حديثك، وكانت رضي الله عنها يومئذ من أوسط نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا وأكثرهن مالا، فذكر رسول الله ذلك لأعمامه، فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب وعمه أبو طالب، حتى دخلوا على والدها خويلد فخطبوها إليه فزوجها, وأصدقها رسول الله عشرين بكرة، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، ورزق الرسول من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ستة من الولد هم القاسم وعبد الله ورقية وزينب وفاطمة و أم كلثوم، ولم يرزق من غيرها ولدا، إلا من مارية القبطية أم إبراهيم عليه السلام(2).
ولم يتزوج بامرأة أخرى في حياة خديجة رضي الله عنها، ثم تزوج بمكة سودة بنت زمعة وهي ثيب إذ كانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو، وكان قد هاجر إلى الحبشة فتنصر ومات بها كافرا فزوجه بها والدها زمعة بن قيس، ثم تزوج بعدها عائشة بنت أبي بكر الصديق، وكانت صغيرة السن، فلم يبن بها حتى هاجر إلى المدينة، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة
السهمي و استشهد في غزوة أحد، ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية المخزومي، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد، ثم تزوج زينب بنت خزيمة أم المساكين، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب، ثم تزوج جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار الخزاعية من بني المصطلق، وكانت قبله عند مالك بن صفوان المصطلقي، ثم تزوج أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان وكانت قبله عند عبيد الله بن جحش وهو من مهاجرة الحبشة وتنصر ومات بها، ثم زوجه الله زينب بنت جحش وكانت قبله تحت زيد بن حارثة مولى رسول الله ، ثم تزوج صفية بنت حيي بن أخطب وكانت قبله عند سلام بن مشكم ثم كنانة بن الربيع، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية وكانت قبله عند عمير بن عمرو الثقفي ثم عمير أبى زهير، ثم تزوج شراف بنت خليفة الكلبي وتوفيت قبل أن يبني بها، ثم تزوج الشنباء بنت عمرو الغفارية، فلما مات إبراهيم قالت: لو كان نبيا ما مات ولده فطلقها، ثم تزوج عربة بنت جابر الكلابية، فلما قدمت إليه استعاذت منه بالله ففارقها، ثم تزوج العالية بنت ظبيان، بنى بها ثم فارقها وردها إلى أهلها لعلة كانت بها، وتسرى رسول الله بمارية بنت شمعون القبطية وريحانة بنت زيد القرظية
يتبع
- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الثلاثاء 28 يونيو 2011 - 23:48
المبحث الثاني :
خصوصية النبي في باب الزواج .
إنه رغم كون الزواج مما شرعه الله لعباده وسنه نبيه الكريم لأمته،
فإن لرسول الله خصوصية لا يشاركه فيها أحد من أمته وهي زواجه بأكثر من أربع نساء
، فقد قال الله تعالى مبينا حدود ما يباح للمسلم من النساء
: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} (النساء:3)
، ومع ذلك جمع رسول الله احدى عشر امرأة،
وكان يأمر من أسلم من أصحابه وتحته أكثر من أربع أن يختار منهن أربعة ويفارق سائرهن،
فعن مالك عن ابن شهاب أنه قال بلغني أن رسول الله قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة حين أسلم الثقفي: ((أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن))(1).
وهذه الخصوصية فضل ومنة من الله تعالى على رسوله
، ناسب ما كان يمتع به من منزلة وشرف على أمته،
وما رزقه الله من قوة بدنية وباءة في النكاح يؤدي بها حقوق أهله تامة غير منقوصة(1)، روى البخاري رحمه الله
بسنده عن أنس بن مالك
قال: كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة،
قال: قلت لأنس:
أو كان يطيقه؟
قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين)(2).
ومن كمال عبوديته لله تعالى وشكره لنعمه سبحانه أنه وظف هذه الخصوصية في الزواج في تحقيق غايات جليلة
وتحصيل مقاصد عظيمة تعود على الأمة الإسلامية وعلى البشرية جمعاء بالخير العاجل والآجل في الدنيا والآخرة(3).
والغريب هو أن أكثر الخائضين في هذه القضية من أهل الكتاب يعرفون أن عدد أزواج النبي قليل جدا
إذا قورن بأعداد بعض من سبقه من أنبياء الله تعالى من بني إسرائيل حيث بلغ عدد زوجات بعضهم المائة أو يقارب، وذلك مدون في كتبهم إلى الآن.
ثم إن التعدد في الزواج مسألة شرعيــــــــــــة يبتلي الله به من آمن به من عباده بما يبيح له أو يحظر من عدد النساء
ليعلم من يطيعه وينقاد لأوامره فيثيبه على ذلك،
ومن يعصيه ويتمرد عليه فيستحق عقابه وغضبه والعياذ بالله
، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (الملك:2)،
ومهما وصل إليه المرء من عدد الزوجات و في حدود ما أذن الله به،
فهو خير مما يقع فيه كثير من الرؤساء والقادة من غير المسلمين من السفاح والشذوذ الجنسي،
فكثيرا ما نسمع من أولاد لهم من غير بيوت الزوجية بل من السكرتيرات والعشيقات وغير هن،
في قصص غرامية فاضحة تنشر في الصحف وكتب الروايات والجاسوسية...
المبحث الثالث :
حكمة تعدد زوجاته الطاهرات.
بعد أن تحدثنا في المبحث الأول والثاني :
عن زواج رسول الله وما خصه الله به في ذلك، فقد آن الأوان لإبراز القيم الحضارية النبيلة، والمقاصد الشرعية الجليلة، في تعدد زوجاته الطاهرات رضي الله عنهن،
ثم نحاكم تهمة (الشهوانية) التي رمي بها إلى تلك القيم والمقاصد التي كان يهدف إلى تحقيقها في زيجاته، كي نرى مدى التباعد بين سلوك (الشهواني) الذي يلهث وراء النساء يتخير منهن ملكات الجمال من الأبكار والصغيرات السن، كلما كبرت منهن واحدة بدل بها غيرها،
وبين صاحب مشروع حضاري فيه سعادة البشرية في الدنيا والآخرة
، أنيط عليه أمانة تبليغ رسالة الله وتزكية نفوس الخلق، وتعليمهم كل شيء في حياتهم، كما قال تعالى مبينا وظيفته الشريفة
: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (الجمعة:2)،
فانتخب من نساء زمانه أوعية للعلم ونواقل للآداب
، ومعينات على الطاعة،
وسفيرات للنساء عند بيت النبوة الكريمة،
ولكل حادثة من حوادث زواج رسول الله بهن حديث ينم عن حكمة ومقصد.
وقد قسم العلامة محمد بن علي الصابوني الحكم والمقاصد التي من أجلها تزوج رسول الله بهذا العدد من النساء إلى أربعة أقسام وهي:
الحكم التشريعية، والحكم التعليمية، والحكم الاجتماعية، والحكم السياسة(1) وسوف نتابعه في هذا التقسيم الذي لم نر من سبقه إليه، لكن سنزيد في الأمثلة والشواهد والتعليقات بحسب ما يتطلبه المقام من المقال.
أولا : الحكمة التشريعية:
بعث الله رسوله محمد إلى الناس ليدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده
، وأن يقوم الناس بالقسط في أخلاقهم ومعاملاتهم،
وكان رسول الله يبلغ ما أنزل إليه من ربه بقوله وفعله وتقريره،
وقد كان من عادة العرب في الجاهلية (التبني)، وقد تابعهم رسول الله لما لم ينزل من الله في ذلك شيء بعد،
حيث تبنى زيد بن حارثة الذي اختار صحبته وترك أباه وقومه في قصة طويلة... حتى أصبح يدعى زيد بن محمد(2).
ولما في هذه العادة الجاهلية من المفاسد الدينية والدنيوية
(1) نهى الله عنها وأبطلها بتدبير منه سبحانه وتعالى،
إذ قدر أن تكون خلافات بين زيد وزوجته زينب بنت جحش كانا يراجعان فيها رسول الله،
وستنتهي إلى فراق بينهما، وكان الله قد أطلع رسوله على شيء من ذلك وأعلمه بأنه سيتزوجها بأمره،
و يذكر الله تعالى الفصل الأخير من هذه القصة وينص على الحكمة والعلة من تزويج رسوله زينب رضي الله عنها فيقول
: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} (الأحزاب:37)
إذن فزواج رسول الله لم يكن بمحض إرادته بل كان أمرا من الله تعالى لا يملك أمامه أي خيار.
ثانيا : الحكمة التعليمية:
الحكمة الثانية من حكم تعدد زوجات الرسول الكريم هي الحكمة التعليمية
، حيث كان يبلغ دين الله إلى جميع الناس رجالا ونساء صغارا وكبارا، ويعلمهم ما أوجب الله عليهم من أحكام العبادات وسائر المعاملات،
ونظرا لما فطر عليه النساء المؤمنات من الحياء،
ولما اتصف به رسول الله من سمو الأخلاق وعفة اللسان
، ناسب أن يتوفر عنده من نساءه أوعية للعلم
، وحملة للآداب ينقلن عنه الأحكام الخاصة بالنساء،
وما يتعلق بأحكام العشرة بين الزوجين ونحوها
فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي عن غسلها من المحيض،
فأمرها أن تغتسل
قال: ((خذي فرصة من مسك فتطهري بها))
قالت كيف أتطهر؟
قال: (تطهري بها)
قالت كيف؟
قال: ((سبحان الله تطهري))
فاجتبذتها إلي فقلت تتبعي بها أثر الدم(1).
ومثل هذه الوقائع كانت تتكرر في بيت رسول الله الذي كانت النساء يقصدنه لطلب العلم وسؤال رسول الله وسؤال زوجاته أمور دينهن ودنياهن.
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أيضا تنقل العلم والسنة عن رسول الله وتبلغها للنساء والرجال بواسطة زوجاتهم،
فعن معاذة عن عائشة
قالت: مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم، وإن رسول الله كان يفعل ذلك(1).
ومن يستطيع أن يطلع على هذه السنن والهدى غير أهل بيته من زوجاته الطاهرات رضيّ الله عنهن.
وللمناسبة فإن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مدار هذين الحديثين تعد من المكثرين في الرواية
عن رسول الله ، وكانت متميزة بوفرة العقل وحدة الذاكرة رضي الله عنها، فعن أبي موسى الأشعري
قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما(2).
..
خصوصية النبي في باب الزواج .
إنه رغم كون الزواج مما شرعه الله لعباده وسنه نبيه الكريم لأمته،
فإن لرسول الله خصوصية لا يشاركه فيها أحد من أمته وهي زواجه بأكثر من أربع نساء
، فقد قال الله تعالى مبينا حدود ما يباح للمسلم من النساء
: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} (النساء:3)
، ومع ذلك جمع رسول الله احدى عشر امرأة،
وكان يأمر من أسلم من أصحابه وتحته أكثر من أربع أن يختار منهن أربعة ويفارق سائرهن،
فعن مالك عن ابن شهاب أنه قال بلغني أن رسول الله قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة حين أسلم الثقفي: ((أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن))(1).
وهذه الخصوصية فضل ومنة من الله تعالى على رسوله
، ناسب ما كان يمتع به من منزلة وشرف على أمته،
وما رزقه الله من قوة بدنية وباءة في النكاح يؤدي بها حقوق أهله تامة غير منقوصة(1)، روى البخاري رحمه الله
بسنده عن أنس بن مالك
قال: كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة،
قال: قلت لأنس:
أو كان يطيقه؟
قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين)(2).
ومن كمال عبوديته لله تعالى وشكره لنعمه سبحانه أنه وظف هذه الخصوصية في الزواج في تحقيق غايات جليلة
وتحصيل مقاصد عظيمة تعود على الأمة الإسلامية وعلى البشرية جمعاء بالخير العاجل والآجل في الدنيا والآخرة(3).
والغريب هو أن أكثر الخائضين في هذه القضية من أهل الكتاب يعرفون أن عدد أزواج النبي قليل جدا
إذا قورن بأعداد بعض من سبقه من أنبياء الله تعالى من بني إسرائيل حيث بلغ عدد زوجات بعضهم المائة أو يقارب، وذلك مدون في كتبهم إلى الآن.
ثم إن التعدد في الزواج مسألة شرعيــــــــــــة يبتلي الله به من آمن به من عباده بما يبيح له أو يحظر من عدد النساء
ليعلم من يطيعه وينقاد لأوامره فيثيبه على ذلك،
ومن يعصيه ويتمرد عليه فيستحق عقابه وغضبه والعياذ بالله
، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (الملك:2)،
ومهما وصل إليه المرء من عدد الزوجات و في حدود ما أذن الله به،
فهو خير مما يقع فيه كثير من الرؤساء والقادة من غير المسلمين من السفاح والشذوذ الجنسي،
فكثيرا ما نسمع من أولاد لهم من غير بيوت الزوجية بل من السكرتيرات والعشيقات وغير هن،
في قصص غرامية فاضحة تنشر في الصحف وكتب الروايات والجاسوسية...
المبحث الثالث :
حكمة تعدد زوجاته الطاهرات.
بعد أن تحدثنا في المبحث الأول والثاني :
عن زواج رسول الله وما خصه الله به في ذلك، فقد آن الأوان لإبراز القيم الحضارية النبيلة، والمقاصد الشرعية الجليلة، في تعدد زوجاته الطاهرات رضي الله عنهن،
ثم نحاكم تهمة (الشهوانية) التي رمي بها إلى تلك القيم والمقاصد التي كان يهدف إلى تحقيقها في زيجاته، كي نرى مدى التباعد بين سلوك (الشهواني) الذي يلهث وراء النساء يتخير منهن ملكات الجمال من الأبكار والصغيرات السن، كلما كبرت منهن واحدة بدل بها غيرها،
وبين صاحب مشروع حضاري فيه سعادة البشرية في الدنيا والآخرة
، أنيط عليه أمانة تبليغ رسالة الله وتزكية نفوس الخلق، وتعليمهم كل شيء في حياتهم، كما قال تعالى مبينا وظيفته الشريفة
: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (الجمعة:2)،
فانتخب من نساء زمانه أوعية للعلم ونواقل للآداب
، ومعينات على الطاعة،
وسفيرات للنساء عند بيت النبوة الكريمة،
ولكل حادثة من حوادث زواج رسول الله بهن حديث ينم عن حكمة ومقصد.
وقد قسم العلامة محمد بن علي الصابوني الحكم والمقاصد التي من أجلها تزوج رسول الله بهذا العدد من النساء إلى أربعة أقسام وهي:
الحكم التشريعية، والحكم التعليمية، والحكم الاجتماعية، والحكم السياسة(1) وسوف نتابعه في هذا التقسيم الذي لم نر من سبقه إليه، لكن سنزيد في الأمثلة والشواهد والتعليقات بحسب ما يتطلبه المقام من المقال.
أولا : الحكمة التشريعية:
بعث الله رسوله محمد إلى الناس ليدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده
، وأن يقوم الناس بالقسط في أخلاقهم ومعاملاتهم،
وكان رسول الله يبلغ ما أنزل إليه من ربه بقوله وفعله وتقريره،
وقد كان من عادة العرب في الجاهلية (التبني)، وقد تابعهم رسول الله لما لم ينزل من الله في ذلك شيء بعد،
حيث تبنى زيد بن حارثة الذي اختار صحبته وترك أباه وقومه في قصة طويلة... حتى أصبح يدعى زيد بن محمد(2).
ولما في هذه العادة الجاهلية من المفاسد الدينية والدنيوية
(1) نهى الله عنها وأبطلها بتدبير منه سبحانه وتعالى،
إذ قدر أن تكون خلافات بين زيد وزوجته زينب بنت جحش كانا يراجعان فيها رسول الله،
وستنتهي إلى فراق بينهما، وكان الله قد أطلع رسوله على شيء من ذلك وأعلمه بأنه سيتزوجها بأمره،
و يذكر الله تعالى الفصل الأخير من هذه القصة وينص على الحكمة والعلة من تزويج رسوله زينب رضي الله عنها فيقول
: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} (الأحزاب:37)
إذن فزواج رسول الله لم يكن بمحض إرادته بل كان أمرا من الله تعالى لا يملك أمامه أي خيار.
ثانيا : الحكمة التعليمية:
الحكمة الثانية من حكم تعدد زوجات الرسول الكريم هي الحكمة التعليمية
، حيث كان يبلغ دين الله إلى جميع الناس رجالا ونساء صغارا وكبارا، ويعلمهم ما أوجب الله عليهم من أحكام العبادات وسائر المعاملات،
ونظرا لما فطر عليه النساء المؤمنات من الحياء،
ولما اتصف به رسول الله من سمو الأخلاق وعفة اللسان
، ناسب أن يتوفر عنده من نساءه أوعية للعلم
، وحملة للآداب ينقلن عنه الأحكام الخاصة بالنساء،
وما يتعلق بأحكام العشرة بين الزوجين ونحوها
فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي عن غسلها من المحيض،
فأمرها أن تغتسل
قال: ((خذي فرصة من مسك فتطهري بها))
قالت كيف أتطهر؟
قال: (تطهري بها)
قالت كيف؟
قال: ((سبحان الله تطهري))
فاجتبذتها إلي فقلت تتبعي بها أثر الدم(1).
ومثل هذه الوقائع كانت تتكرر في بيت رسول الله الذي كانت النساء يقصدنه لطلب العلم وسؤال رسول الله وسؤال زوجاته أمور دينهن ودنياهن.
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أيضا تنقل العلم والسنة عن رسول الله وتبلغها للنساء والرجال بواسطة زوجاتهم،
فعن معاذة عن عائشة
قالت: مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم، وإن رسول الله كان يفعل ذلك(1).
ومن يستطيع أن يطلع على هذه السنن والهدى غير أهل بيته من زوجاته الطاهرات رضيّ الله عنهن.
وللمناسبة فإن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مدار هذين الحديثين تعد من المكثرين في الرواية
عن رسول الله ، وكانت متميزة بوفرة العقل وحدة الذاكرة رضي الله عنها، فعن أبي موسى الأشعري
قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما(2).
..
- AdminAdmin
- الجنس :
عدد المساهمات : 47055
تاريخ التسجيل : 07/12/2009
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الثلاثاء 28 يونيو 2011 - 23:53
- Saad Eddineعضو برونزي
- الجنس :
عدد المساهمات : 2256
تاريخ التسجيل : 10/09/2010
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الأربعاء 29 يونيو 2011 - 2:20
سدد الله خطاك اخـ(ت)ـي الفاضل(ة) على الموضوع الجميل
جزاك الله الف خير
وليبارك لك في قلمك الراقي
وبالإفادة ان شاء الله لكل أعضاء عربي-نعم
واصل ابداعك معنا ولا تحرمنا من جديدك يا غالي
اراك في موضوع آخر وذمت في رعاية الله
جزاك الله الف خير
وليبارك لك في قلمك الراقي
وبالإفادة ان شاء الله لكل أعضاء عربي-نعم
واصل ابداعك معنا ولا تحرمنا من جديدك يا غالي
اراك في موضوع آخر وذمت في رعاية الله
- عربيعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 18188
تاريخ التسجيل : 20/12/2009
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الأربعاء 29 يونيو 2011 - 12:23
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مجهود متميز وموضوع جيد ومفيد للغاية
اللهم اغفر لك ولأسرتك و للمسلمين جميعا ما تقدم من ذنبهم وما تأخر
وقِهم عذاب القبر وعذاب النار..ارزقهم مغفرتك بلا عذاب
وجنتك بلا حساب رؤيتك بلا حجاب
واجعلهم ممن يورثون الفردوس الأعلى
اللـهم آميـن
- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الأربعاء 29 يونيو 2011 - 12:32
- tarzanعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 13088
تاريخ التسجيل : 08/07/2010
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الخميس 30 يونيو 2011 - 23:37
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
جزاك الله خيرا يا غالي على الطرح المميز
الذي سيفيد الكثير الكثير من الإخوة و الأخوات
جزاك الله خيرا يا رب
جزاك الله خيرا يا غالي على الطرح المميز
الذي سيفيد الكثير الكثير من الإخوة و الأخوات
جزاك الله خيرا يا رب
- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الجمعة 1 يوليو 2011 - 0:25
- Kojackعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 12698
تاريخ التسجيل : 29/05/2010
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الجمعة 1 يوليو 2011 - 4:02
بارك الله فيك وجازاك الله خيرا
وكتب لك في ميزان حسناتك
وكتب لك في ميزان حسناتك
- داديعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 13031
تاريخ التسجيل : 30/04/2010
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الجمعة 1 يوليو 2011 - 12:12
السلام عليكم و رحمة الله
جزاك الله كل خير على الموضوع المميز
و جعله الله في ميزان حسناتك يا رب
بالتوفيق إن شاء الله
جزاك الله كل خير على الموضوع المميز
و جعله الله في ميزان حسناتك يا رب
بالتوفيق إن شاء الله
- محب اللهعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 9868
تاريخ التسجيل : 23/05/2010
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الأربعاء 6 يوليو 2011 - 14:12
- Bastosعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 14330
تاريخ التسجيل : 21/05/2010
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الإثنين 11 يوليو 2011 - 15:32
بســم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله
جزاك
الله كل خير
و أسأل الله عز و جل أن يجعله في موازين حسناتك
اللهم
إنا نسألك الجنه وكل عمل يقربنا إليها
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب
القبر وعذاب النار
السلام عليكم و رحمة الله
جزاك
الله كل خير
و أسأل الله عز و جل أن يجعله في موازين حسناتك
اللهم
إنا نسألك الجنه وكل عمل يقربنا إليها
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب
القبر وعذاب النار
- FLATنائب المراقب العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 29873
تاريخ التسجيل : 09/12/2009
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الثلاثاء 12 يوليو 2011 - 20:06
- نهروعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 16844
تاريخ التسجيل : 09/07/2010
رد: القيم الحضارية النبيلة في تعدد أزواج الرسول الكريم
الثلاثاء 19 يوليو 2011 - 14:07
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى