قصتي مع فلسطين

لا زلت أتذكر حينما التحقت
بالثانوي، تفاجأت كثيرا آنذاك لما حصل حينما انطلقت الانتفاضة الثانية
للشعب الفلسطيني، رأيت من الشعب المغربي تضامنا عجيبا لم أعهده في حياتي!!
كنت أقول في نفسي لعل حداثة سني وقلة خبرتي ومعرفتي جعلتني لا أتصور أن
المغرب بجميع أطيافه قد يتضامن بكل هذه الأشكال مع شعب بعيد عنه كل هذه
المسافات!!

مظاهرات ووقفات وأنشطة متنوعة وندوات ودعم مادي وإغلاق للسفارة
"الإسرائيلية" بالمغرب ولمكتب بلدنا بتل أبيب... كل هذا من أجل فلسطين؟؟!!
لم أعهد في حياتي أن أرى مثل هذا، لكنني فهمت شيئا واحدا آنذاك: أن فلسطين
غالية جدا في قلوب المغاربة وأن المس بها جريمة كبرى لا يمكن السكوت عنها
وتستحق الرد والعقاب.

ومرت الأيام، وتعلمت من مدرسة الحياة أن
فلسطين قضية مركزية لدى المسلمين، وأن لها خصوصية عن باقي القضايا، وأن
نصرتها قد أصبحت واجبا شرعيا على كل فرد في هذه الأمة. فنشأت على هذه
القناعة، وبت منذ ذلك الحين أحلم بأن أكون صلاح الدين في هذا الزمان،
فأتخيل نفسي فاتحا بفرسي بيت المقدس، وأصوات التكبير تتعالى، ودموع الفرح
تتهاطل من المقل كالأمطار... باتت مخيلتي تأخذني كثيرا إلى هناك، أعيش تارة
صلاة في المسجد الأقصى، وتارة نزهة في حارة أجدادي المغاربة، وتارة عناقا
حارا مع الفلسطينيين الأبطال... كانت في قلبي حرارة كبيرة تدفعني لبذل أقصى
ما أستطيع عساني أعجل بالنصر.

انضممت سريعا إلى ركب داعمي القضية،
وأحسست بمسؤولية كبيرة على كاهلي تنأى عن حملها الجبال، كيف لا وأنا شاب في
مقتبل العمر، بإمكانيات محدودة، ويحلم ببساطته الكبيرة أن يشارك في تحرير
كل شبر من فلسطين من دنس الصهاينة الغاصبين!

حمدا لله، كانت الطريق
ممتلئة في البداية، فلم أكن لوحدي، وإنما كان الكثير من الناس في الطريق،
كل يساهم بما يستطيع، فالبعض ينظمون أنشطة تضامنية، وآخرون يشاركون في
القوافل الطبية ويجمعون المساعدات، وآخرون يترصدون لأشكال التطبيع بالمغرب
ويقفون لها بالمرصاد... وكانت الصورة في مجملها مشرقة تبعث على الاطمئنان
والأمل.

لكن مع مرور الزمن، سرعان ما بدأت الصفوف تتناقص، حتى عاد
القليلون فقط من يحملون هذا الهم، ولم تعد تلك القضية التي تلهب قلوب الأمة
تحضى بأي اهتمام، حتى بت أسمع نداءات التيئيس والأنانية والضعف والهوان
والاستسلام تتعالى هنا وهناك. آلمني كثيرا أن أرى من تعالت أصواتهم بالأمس
بالشعارات وهم يصرخون "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين"، يركنون إلى الدنيا،
ويميتون ضمارهم، كي لا تزعجهم وتزيدهم هم فلسطين، لأن همومهم الحياتية
تكفيهم!!

تنهدت قليلا، ووقفت مع نفسي وقفة، فإذا بصوت الروح يصدح في أعماقي، ممتلئا بلهيب الأشجان:

فلسطين،
حبيبتي، إن كان البعض قد تركك، فلن أتركك ما حييت، حتى ألقى الله وقد أديت
رسالتي، اصبري فإن الليل القاتم سيزول عما قريب، وستظهر في سمائك خيوط
النور معلنة عن فجر ساطع لعهد جديد، فأعدي الأقصى لصلاة شكر لرب العالمين،
من جند فاتحين داخلين مكبرين، فأبشري بالنصر القريب.

بقلم أمين الجنان
حماة الأقصى