- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
غلط التفريق بين الكتاب والسنة
الإثنين 30 أبريل 2012 - 15:25
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إِنَّ الحَمدَ
للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا
إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ،
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ
كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وَكُلَّ
مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.
إنّ من البلايا
والمصائب التي ابتُلي بها أقوامٌ، إلا من رحم الله، التفريقُ بين الكتاب
والسنة، والاعتقاد بحجية القرآن مع التساهل بالسنّة والتقليل من شأنها، أو
حتى تركها بالكلية والعياذ بالله. وكثيراً ما نسمع ممّن ابتلاه الله
بالجهل، أو الهوى، عند إقامة الحجة في مسألة ما بحديث من أحاديث رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، عبارة: “هات لنا آيةً من كتاب الله” !! لسبب أو لآخر،
جهلٍِ أو هوى، نعوذ بالله من تلك الأسباب كلها.
وقد نسمع هذه
العبارة من عوام النّاس، وهذا في الحقيقة ليس صدفةً، لأنّ فطرة المسلم توجب
عليه أنْ إذا سمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم انقاد له واستجاب،
وترك رأيه ولم يتبع هواه، هذا من كانت فطرته سليمة. ولكن قد نسمع هذا عند
بعض النّاس حيث شُبّه عليهم بهذه الشبهة الخبيثة، وبهذه الجريمة الشنيعة،
والجرأة العظيمة على الله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وإن هذه
الشّبهة، لا شكّ، هي من طرق وأساليب أهل البدع والأهواء قديماً وحديثاً.
فمنهم
من ترك بعض السنّة بحجة:” حديث الآحاد لا يُلزم الاعتقاد “، على طريقة
الأشاعرة وغيرهم من أهل البدع، فقاموا بدورهم بتعطيل أصلٍ من أصول أهل
السنة في باب الأخبار، وهو وجوب قبول خبر الواحد الثقة.
ومنهم من
ترك السنّة بالكليّة، وهؤلاء كفروا، كأولئك الذين يسمون أنفسهم ظلماً
وافتراءاً ” بالقرآنيين “، والقرآن العظيم بريء منهم. ولو علموا حقّا ما في
القرآن من الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به، وأن الدين
لا يصح إلا باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وطاعته، لَعَلِمُوا ما في هذه
التسمية من كذب وافتراء، بل ولو فهموا الكلمة الطيبة ” لا إله إلا الله
محمد رسول الله ” الفهم الصحيح، لعلموا ما عندهم من الكفر الصريح حيث
عطّلوا السنة وردّوها بالكلية. وهذا يدل على جهلهم حتى بمعنى الشهادة،
والله المستعان.
ومنهم من يقول: “إن السنّة فيها من الصحيح والضعيف
والموضوع ما فيها، أما القرآن فلا زيادة فيه ولا نقصان باجماع الأمة”،
وبالتّالي، (( فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابتِغَاءَ الْفِتْنَةِ
وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ))، ولقد جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم كما
في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنه تلا هذه الآية، ثم قال: (
فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ،
فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ ، فَاحْذَرُوهُم ). يشبّهون على الناس
قاتلهم بالله ويضلونهم بالمتشابه من القرآن من غير رده إلى المحكم.
وهم في الحقيقة يريدون
النيل من السنّة النبوية المطهّرة بقولهم، ويستدلّون على كلامهم بأسلوب
خبيث وخطير جدّاً بقوله سبحانه وتعالى: (( إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))، فيقولون: “الذكر هنا هو القرآن”. يريدون
بذلك القول أن السنة النبوية ليست محفوظة، ولذلك فإن فيها الصحيح والضعيف
والموضوع، قاتلهم الله. وهيهات هيهات، فإن الله تبارك وتعالى سخّر لحفظ
دينه وحفظ سنّة نبيه صلى الله عليه وسلم رجالاً، يحفظ بهم سبحانه وتعالى
دينه، وعلى رأس هؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم التابعون وتابعوهم
بإحسان من العلماء الربّانيين الأعلام من المحدّثين وعلماء الجرح
والتعديل، والحمد لله رب العالمين.
فنقول لهم: ماذا تقولون إذن في قول
الله عز وجل: (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ))
ما هو الذكر
هنا في هذه الآية ؟؟ وما هو الذي نُزِّل إليهم ؟؟ وهل تضربون قول الله عز
وجل بعضه ببعض ؟ حيث يأمر الله عز وجل في كتابه الكريم في ما يُقارب – على
حد علمي – سبعين موضعاً بطاعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم ؟ كيف
يأمر الله عز وجل بطاعة محمد صلى الله عليه وسلم وسنّتُهُ ليست محفوظة ؟؟
هذا من الإفتراء العظيم، والتقوّل الخطير على الله والرسول الكريم صلى الله
عليه وسلم، وقد يُؤدي بصاحبه إلى الكفر والعياذ بالله إن اعتقد ذلك، هذا
وقد قال الله عز وجل مخبراً عن نبيه عليه الصلاة والسلام: (( وَمَا يَنطِقُ
عَنِ الهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )). أم أنّكم ممن قال فيهم
ربّنا جل وعلا في كتابه: (( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ
وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ
إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ
إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ))
؟؟ صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلّم حين قال: ( يَكُونُ في آخِرِ
الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُون . يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ
بِمَا لم تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُم . فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ
. لاَ يُضِلُّونَكُم وَلاَ يَفْتِنُونَكُم ). نعوذ بالله من الضلال.
ومنهم
من يضرب بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض الحائط إذا تعارض الحديث
مع عقله، على حسب تصّوره هو أن التعارض موجود، على طريقة المعتزلة
والأشعرية، والأصل أنه لا تعارض بين النقل والعقل، إن كان العقل سليماً
والفطرةُ سليمةً، وإذا وجد المسلم في نفسه شيئا من ذلك حول حديث من أحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعليه أن يتّهم عقله، وأن يسلّم تسليماً
تامّاً لأمر الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وأن يعلم أن هذا من وسوسة
الشيطان وإغوائه لعباد الله المؤمنين، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
لأي
سبب من الأسباب، وعلى أي شكل من الأشكال، فإن هذه الأساليب والطرق
البدعية، كلها فتن وشر!! يزينها الشيطان لأصحابها فيقبلونها منه، عافانا
الله وإياكم منها.
أهل السنّة يفرقون بين الكتاب والسنّة بالأمور
المعلومة شرعاً فقط، مثل أن القرآن هو كلام الله، والسنّة كلام رسول الله
صلى الله عليه وسلم، أو فعله أو تقريره، أما المعنى فكلاهما من الله عز
وجل. القرآن في تلاوته في كل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، والقرآن
تُقام به الصلاة، وغير ذلك من الفروق المعلومة. إلا أنه لا فرق بين القرآن
والسنّة من حيث الحكم، الحلال والحرام، ولا في باب الإعتقاد، ولا في
العبادات ولا في المعاملات. فكلاهما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وكلاهما من الوحي، كلاهما المعنى والخبر والأمر والنهي والوعد
والوعيد من الله جل وعلا، كلاهما واجب التعظيم، وكلاهما واجب الإمتثال،
كلاهما واجب التقديم، لكليهما يجب أن يُقال “سمعنا وأطعنا”، كلاهما محفوظ
ومعصوم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا نفرق بين الكتاب
والسنة، والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنّة كما سيأتي إن شاء الله
تعالى.
قال إمام أهل السنة، الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في متن أصول السنّة:
”
والسنّة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والسنّة تفسّر القرآن،
وهي دلائل القرآن، وليس في السنّة قياس، ولا تُضرب لها الأمثال، ولا تُدرك
بالعقول ولا الأهواء، إنما هو الإتّباع وترك الهوى “.
هنا يقصد الإمام
أحمد رحمه الله في قوله “والسنة عندنا..” أي حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلّم وآثاره بالمعنى الخاص، حيث قصد بالسنّة في قوله في مطلع المتن ” أصول
السنّة عندنا “، أي أصول الإعتقاد والتديّن.
وهنا في قوله أعلاه يؤكد
الإمام رحمه الله هذا الأصل العظيم، وهو الإعتقاد الجازم أنه لا فرق بين
القرآن والسنّة. إذ أنه من المآخذ المشهورة والمعروفة عند أهل البدع قديماً
وحديثاً أنهم يحاولون التفريق بين القرآن وبين السنّة. فانتبه يا عبد الله
من هذا، واعلم أن الرجل إذا فرّق بين القرآن وبين السنّة فإنه، إن كان
يدري ما يقول، ليس متّبعاً لسبيل المؤمنين، بل هو من أهل الأهواء
والمبتدعين، فاحذره وإياك وإياه.
أما الأدلة من الكتاب والسنّة على
هذا الأصل العظيم، وفي الحث على وجوب اتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام
وطاعته ووجوب الإحتكام إليها، فكثيرة وكثيرةٌ جداً. أجتزىء بذكر بعضها على
سبيل الذكرى “فإن الذكرى تنفع المؤمنين”، والله تعالى وحده الموفق.
قال
سبحانه وتعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا
عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَىٰ
فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا [المزمل: 15-16]
وقال
جل وعلا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (الأحزاب :
36)
وقال المعبود الحق سبحانه:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الحجرات : 1)
وقال: قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (آل عمران:32)
وقال عز وجل: مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (النساء:80)
وقال
جل ثناءه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
(النساء:59)
وقال
جل من قائل: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ
فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ
الْمُبِينُ [المائدة : 92]
وقال سبحانه: قلْ أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ
وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى
الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور : 54]
وقال تعالى:
لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النور : 63)
وقال تبارك
وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ
يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
(الأنفال : 24)
وقال جل في علاه: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا
خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (النساء13-14)
وقال أيضاً:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ
إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا
إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ
الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (النساء:60-61)
وقال
تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
(النور:52-51)
وقال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ (الحشر:7)
وقال جلّ وعلا: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى . مَا
ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى . وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى . إِنْ هُوَ
إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (النجم4:1)
وقال سبحانه: وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (النحل:44)
- وغير ذلك الكثير من الآيات في كتاب ربِّنا عز وجل، فيها الأمر بطاعة رسوله الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما الأحاديث التي تدعو إلى اتباع النبي عليه الصلاة والسلام:
1-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” كل
أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قالوا : ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل
الجنة ، ومن عصاني فقد أبى ” .أخرجه البخاري في “صحيحه – كتاب الاعتصام ” .
2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :
”
جاءت ملائكة إلى النبي وهو نائم ، فقال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم :
إن العين نائمة ، والقلب يقظان ، فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلا ، فاضربوا
له مثلا ، فقالوا : مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيه مأدبة ، وبعث داعياً
، فمن أجاب الداعي دخل الدار ، وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي لم
يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ، فقالوا : أولوها يفقهها ، فقال بعضهم :
إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا فالدار الجنة ، والداعي محمد ، فمن
أطاع محمداً فقد أطاع الله ، ومن عصى محمداً فقد عصى الله ، ومحمد فرق بين
الناس ” أخرجه البخاري أيضاً .
3- عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
”
إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال : يا قوم إني
رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير العريان ، فالنجاء النجاء ، فأطاعه
طائفة من قومه فأدلجوا ، فأنطلقوا على مهلهم فنجوا ، وكذبت طائفة منهم
فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعني فاتبع
ما جئت به ، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق ” . أخرجه البخاري
ومسلم .
4- عن أبي رافع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ” لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري ،
مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله
اتبعناه ( وإلا فلا ) ” . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة
والطحاوي وغيرهم بسند صحيح .
5- عن المقدام بن معدي كرب رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ألا إني أوتيت القرآن
ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما
وجدتم فيه من حرام فحرموه ، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله ، ألا لا
يحل لكم ال************ الأهلي ، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد
إلا أن يستغني عنها صاحبها ، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه،
فله أن يعقبهم بمثل قراه ” . رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد
بسند صحيح .
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ” تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم ( ما تمسكتم بهما ) كتاب
الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض ” . أخرجه مالك مرسلاً ،
والحاكم مسنداً وصححه .
* في الحديثين الأخيرين يتبيّن الدليل على
أنه لا فرق بين الكتاب والسنّة في قوله عليه الصلاة والسلام: ” ألا إني
أوتيت القرآن ومثله معه “، وقوله ” ولن يتفرقا (أي الكتاب والسنّة) حتى
يردا على الحوض “.
وغير ذلك من الأحاديث النبوية.
قال الإمام المحدّث الشيخ محمد ناصر الدين والسنّة الألباني رحمه الله معلقاً على هذه النصوص:
” وفي هذه النصوص من الآيات والأحاديث أمور هامة جداً يمكن إجمالها فيما يلي :
1-
أنه لا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله ، وأن كلا منهما ، ليس للمؤمن
الخيرة في أن يخالفهما ، وأن عصيان الرسول كعصيان الله تعالى ، وأنه ضلال
مبين .
2- أنه لا يجوز التقدم بين يدي الرسول كما لا يجوز التقدم بين
يدي الله تعالى ، وهو كناية عن عدم جواز مخالفة سنته ، قال الإمام ابن
القيم في “إعلام الموقعين”(1/58) : ” أي لا تقولوا حتى يقول، وتأمروا حتى
يأمر ، ولا تفتوا حتى يفتي ، ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه
ويمضي ” .
3- أن التولي عن طاعة الرسول إنما هو من شأن الكافرين .
4- أن المطيع للرسول مطيع لله تعالى .
5- وجوب الرد والرجوع عند التنازع والاختلاف في شيء من أمور الدين إلى الله وإلى الرسول، قال ابن القيم (1/54) :
“فأمر
تعالى بطاعته وطاعة رسوله ، وأعاد الفعل ( يعني قوله : وأطيعوا الرسول )
إعلاماً بأن طاعته تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب ، بل إذا
أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء كان ما أمر به في الكتاب ، أو لم يكن فيه ،
فإنه ” أوتي الكتاب ومثله معه ” ، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً ،
بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول ” ومن المتفق عليه عند
العلماء أن الرد إلى الله إنما هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول ، هو
الرد إليه في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته ، وأن ذلك من شروط الإيمان .
6-
أن الرضى بالتنازع ، بترك الرجوع إلى السنة للخلاص من هذا التنازع سبب هام
في نظر الشرع لإخفاق المسلمين في جميع جهودهم ، ولذهاب قوتهم وشوكتهم .
7- التحذير من مخالفة الرسول لما لها من العاقبة السيئة في الدنيا والآخرة .
8- استحقاق المخالفين لأمره الفتنة في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة .
9- وجوب الاستجابة لدعوة الرسول وأمره ، وأنها سبب الحياة الطيبة ، والسعادة في الدنيا والآخرة .
10- أن طاعة النبي سبب لدخول الجنة والفوز العظيم ، وأن معصيته وتجاوز حدوده سبب لدخول النار والعذاب المهين .
11-
أن من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر أنهم إذا
دعوا إلى أن يتحاكموا إلى الرسول وإلى سنته ، لا يستجيبون لذلك ، بل يصدون
عنه صدوداً .
12- وأن المؤمنين على خلاف المنافقين ، فإنهم إذا دعوا إلى
التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بادروا إلى الاستجابة لذلك ،
وقالوا بلسان حالهم وقالهم : ” سمعنا وأطعنا ” ، وأنهم بذلك يصيرون مفلحين ،
ويكونون من الفائزين بجنات النعيم .
13- كل ما أمرنا به الرسول يجب علينا اتباعه فيه ، كما يجب علينا أن ننتهي عن كل ما نهانا عنه.
14- أنه أسوتنا وقدوتنا في كل أمور ديننا إذا كنا ممن يرجو الله واليوم الآخر .
15-
وأن كل ما نطق به رسول الله مما لا صلة بالدين والأمور الغيبية التي لا
تعرف بالعقل ولا بالتجربة فهو وحي من الله إليه . لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه .
16- وأن سنته صلى الله عليه وسلم هي بيان لما أنزل إليه من القرآن .
17-
وأن القرآن لا يغني عن السنة ، بل هي مثله في وجوب الطاعة والاتباع ، وأن
المستغني به عنها مخالف للرسول عليه الصلاة والسلام غير مطيع له ، فهو بذلك
مخالف لما سبق من الآيات .
18- أن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ،
وكذلك كل شيء جاء به رسول الله مما ليس في القرآن ، فهو مثل ما لو جاء في
القرآن لعموم قوله : ” ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه “.
19- أن العصمة
من الانحراف والضلال إنما هو التمسك بالكتاب والسنة ، وأن ذلك حكم مستمر
إلى يوم القيامة ، فلا يجوز التفريق بين كتاب الله وسنة نبيه تسلمياً كثيرا
.
* لزوم اتباع السنة على كل جيل في العقائد والأحكام :
أيها
الإخوة الكرام ! هذه النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة كما أنها دلت دلالة
قاطعة على وجوب اتباع السنة اتباعاً مطلقاً في كل ما جاء به النبي ، وأن من
لم يرض بالتحاكم إليها والخضوع لها فليس مؤمناً ، فإني أريد أن ألفت نظركم
إلى أنها تدل بعموماتها وإطلاقاتها على أمرين آخرين هامين أيضاً :
الأول
: أنها تشمل كل من بلغته الدعوة إلى يوم القيامة ، وذلك صريح في قوله
تعالى : “لأنذركم به ومن بلغ” ، وقوله : “وما أرسلناك إلا كافة للناس
بشيراً ونذيراً” وفسره بقوله في حديث :
“… وكان النبي يبعث إلى قومه
خاصة ، وبعثت إلى الناس كافة ” متفق عليه ، وقوله : ” والذي نفسي بيده لا
يسمع بي رجل من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من
أهل النار ” رواه مسلم وابن منده وغيرهما ( الصحيحة 157 ) .
والثاني :
أنها تشمل كل أمر من أمور الدين ، لا فرق بين ما كان منه عقيدة علمية، أو
حكماً عملياً، أو غير ذلك ، فكما كان يجب على كل صحابي أن يؤمن بذلك كله
حين يبلغه من النبي أو من صحابي آخر عنه كان يجب كذلك على التابعي حين
يبلغه عن الصحابي ، فكما لا يجوز للصحابي مثلاً أن يرد حديث النبي إذا كان
في العقيدة بحجة أنه خبر آحاد سمعه عن صحابي مثله عنه ، فكذلك لا يجوز لمن
بعده أن يرده بالحجة نفسها مادام أن المخبر به ثقة عنده ، وهكذا ينبغي أن
يستمر الأمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وقد كان الأمر كذلك في عهد
التابعين والأئمة المجتهدين كما سيأتي النص بذلك عن الإمام الشافعي رحمه
الله تعالى .
* تحكم الخلف بالسنة بدل التحاكم إليها :
ثم خلف من
بعدهم خلف أضاعوا السنة النبوية وأهملوها ، بسبب أصول تبناها بعض علماء
الكلام، وقواعد زعمها بعض علماء الأصول والفقهاء المقلدين ، كان من نتائجها
الإهمال المذكور الذي أدى بدوره إلى الشك في قسم كبير منها ، ورد قسم آخر
منها لمخالفتها لتلك الأصول والقواعد ، فتبدلت الآية عند هؤلاء ، فبدل أن
يرجعوا بها إلى السنة ويتحاكموا إليها ، فقد قلبوا الأمر ، ورجعوا بالسنة
إلى قواعدهم وأصولهم ، فما كان منها موافقاً لقواعدهم قبلوه ، وإلا رفضوه ،
وبذلك انقطعت الصلة التامة بين المسلم وبين النبي ، وخاصة عند المتأخرين
منهم ، فعادوا جاهلين بالنبي وعقيدته وسيرته وعبادته ، وصيامه وقيامه وحجة
وأحكامه وفتاويه ، فإذا سئلوا عن شيء من ذلك أجابوك إما بحديث ضعيف أو لا
أصل له ، أو بما في المذهب الفلاني ، فإذا اتفق أنه مخالف للحديث الصحيح
وذكروا به لا يذكرون ، ولا يقبلون الرجوع إليه لشبهات لا مجال لذكرها الآن ،
وكل ذلك سببه تلك الأصول والقواعد المشار إليها ، وسيأتي قريباً ذكر بعضها
إن شاء الله تعالى .
ولقد عم هذا الوباء وطم كل البلاد الإسلامية ،
والمجلات العلمية والكتب الدينية إلا نادراً ، فلا تجد من يفتي فيها على
الكتاب والسنة إلا أفراداً قليلين غرباء ، بل جماهيرهم يعتمدون فيها على
مذهب من المذاهب الأربعة ، وقد يتعدونها إلى غيرها إذا وجدوا في ذلك مصلحة –
كما زعموا – وأما السنة فقد أصبحت عندهم نسياً منسياً ، إلا إذا اقتضت
المصلحة عندهم الأخذ بها ، كما فعل بعضهم بالنسبة لحديث ابن عباس في الطلاق
بلفظ ثلاث وأنه كان على عهد النبي طلقة واحدة ، فقد أنزلوها منزلة بعض
المذاهب المرجوحة ! وكانوا قبل أن يتبنوه يحاربونه ويحاربون الداعي إليه
!”. إنتهى كلامه رحمه الله تعالى.
أسأل الله عز وجلّ أن يجعلنا
وإياكم من العالمين العاملين بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم،
المعتصمين بهما، الداعين إلى دينه سبحانه وتعالى على بصيرة، الذابّين عن
سنة نبيه صلى الله عليه وسلم المُحيين لها، المتّبعين سبيلَ المؤمنين من
الأصحاب والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، رضي الله عنهم أجمعين. اللهم
آمين.
وصلِّ اللهم وبَارِكْ على نَبِيِّكَ محمدٍ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلِّمْ.
إِنَّ الحَمدَ
للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ
شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا
إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ،
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ
كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَعَلى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وَكُلَّ
مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.
إنّ من البلايا
والمصائب التي ابتُلي بها أقوامٌ، إلا من رحم الله، التفريقُ بين الكتاب
والسنة، والاعتقاد بحجية القرآن مع التساهل بالسنّة والتقليل من شأنها، أو
حتى تركها بالكلية والعياذ بالله. وكثيراً ما نسمع ممّن ابتلاه الله
بالجهل، أو الهوى، عند إقامة الحجة في مسألة ما بحديث من أحاديث رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، عبارة: “هات لنا آيةً من كتاب الله” !! لسبب أو لآخر،
جهلٍِ أو هوى، نعوذ بالله من تلك الأسباب كلها.
وقد نسمع هذه
العبارة من عوام النّاس، وهذا في الحقيقة ليس صدفةً، لأنّ فطرة المسلم توجب
عليه أنْ إذا سمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم انقاد له واستجاب،
وترك رأيه ولم يتبع هواه، هذا من كانت فطرته سليمة. ولكن قد نسمع هذا عند
بعض النّاس حيث شُبّه عليهم بهذه الشبهة الخبيثة، وبهذه الجريمة الشنيعة،
والجرأة العظيمة على الله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم. وإن هذه
الشّبهة، لا شكّ، هي من طرق وأساليب أهل البدع والأهواء قديماً وحديثاً.
فمنهم
من ترك بعض السنّة بحجة:” حديث الآحاد لا يُلزم الاعتقاد “، على طريقة
الأشاعرة وغيرهم من أهل البدع، فقاموا بدورهم بتعطيل أصلٍ من أصول أهل
السنة في باب الأخبار، وهو وجوب قبول خبر الواحد الثقة.
ومنهم من
ترك السنّة بالكليّة، وهؤلاء كفروا، كأولئك الذين يسمون أنفسهم ظلماً
وافتراءاً ” بالقرآنيين “، والقرآن العظيم بريء منهم. ولو علموا حقّا ما في
القرآن من الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وآمنوا به، وأن الدين
لا يصح إلا باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وطاعته، لَعَلِمُوا ما في هذه
التسمية من كذب وافتراء، بل ولو فهموا الكلمة الطيبة ” لا إله إلا الله
محمد رسول الله ” الفهم الصحيح، لعلموا ما عندهم من الكفر الصريح حيث
عطّلوا السنة وردّوها بالكلية. وهذا يدل على جهلهم حتى بمعنى الشهادة،
والله المستعان.
ومنهم من يقول: “إن السنّة فيها من الصحيح والضعيف
والموضوع ما فيها، أما القرآن فلا زيادة فيه ولا نقصان باجماع الأمة”،
وبالتّالي، (( فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابتِغَاءَ الْفِتْنَةِ
وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ))، ولقد جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم كما
في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنه تلا هذه الآية، ثم قال: (
فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ،
فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ ، فَاحْذَرُوهُم ). يشبّهون على الناس
قاتلهم بالله ويضلونهم بالمتشابه من القرآن من غير رده إلى المحكم.
وهم في الحقيقة يريدون
النيل من السنّة النبوية المطهّرة بقولهم، ويستدلّون على كلامهم بأسلوب
خبيث وخطير جدّاً بقوله سبحانه وتعالى: (( إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))، فيقولون: “الذكر هنا هو القرآن”. يريدون
بذلك القول أن السنة النبوية ليست محفوظة، ولذلك فإن فيها الصحيح والضعيف
والموضوع، قاتلهم الله. وهيهات هيهات، فإن الله تبارك وتعالى سخّر لحفظ
دينه وحفظ سنّة نبيه صلى الله عليه وسلم رجالاً، يحفظ بهم سبحانه وتعالى
دينه، وعلى رأس هؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم التابعون وتابعوهم
بإحسان من العلماء الربّانيين الأعلام من المحدّثين وعلماء الجرح
والتعديل، والحمد لله رب العالمين.
فنقول لهم: ماذا تقولون إذن في قول
الله عز وجل: (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ))
ما هو الذكر
هنا في هذه الآية ؟؟ وما هو الذي نُزِّل إليهم ؟؟ وهل تضربون قول الله عز
وجل بعضه ببعض ؟ حيث يأمر الله عز وجل في كتابه الكريم في ما يُقارب – على
حد علمي – سبعين موضعاً بطاعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم ؟ كيف
يأمر الله عز وجل بطاعة محمد صلى الله عليه وسلم وسنّتُهُ ليست محفوظة ؟؟
هذا من الإفتراء العظيم، والتقوّل الخطير على الله والرسول الكريم صلى الله
عليه وسلم، وقد يُؤدي بصاحبه إلى الكفر والعياذ بالله إن اعتقد ذلك، هذا
وقد قال الله عز وجل مخبراً عن نبيه عليه الصلاة والسلام: (( وَمَا يَنطِقُ
عَنِ الهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )). أم أنّكم ممن قال فيهم
ربّنا جل وعلا في كتابه: (( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ
وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ
إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ
إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ))
؟؟ صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلّم حين قال: ( يَكُونُ في آخِرِ
الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُون . يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ
بِمَا لم تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُم . فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ
. لاَ يُضِلُّونَكُم وَلاَ يَفْتِنُونَكُم ). نعوذ بالله من الضلال.
ومنهم
من يضرب بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض الحائط إذا تعارض الحديث
مع عقله، على حسب تصّوره هو أن التعارض موجود، على طريقة المعتزلة
والأشعرية، والأصل أنه لا تعارض بين النقل والعقل، إن كان العقل سليماً
والفطرةُ سليمةً، وإذا وجد المسلم في نفسه شيئا من ذلك حول حديث من أحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعليه أن يتّهم عقله، وأن يسلّم تسليماً
تامّاً لأمر الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وأن يعلم أن هذا من وسوسة
الشيطان وإغوائه لعباد الله المؤمنين، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
لأي
سبب من الأسباب، وعلى أي شكل من الأشكال، فإن هذه الأساليب والطرق
البدعية، كلها فتن وشر!! يزينها الشيطان لأصحابها فيقبلونها منه، عافانا
الله وإياكم منها.
أهل السنّة يفرقون بين الكتاب والسنّة بالأمور
المعلومة شرعاً فقط، مثل أن القرآن هو كلام الله، والسنّة كلام رسول الله
صلى الله عليه وسلم، أو فعله أو تقريره، أما المعنى فكلاهما من الله عز
وجل. القرآن في تلاوته في كل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، والقرآن
تُقام به الصلاة، وغير ذلك من الفروق المعلومة. إلا أنه لا فرق بين القرآن
والسنّة من حيث الحكم، الحلال والحرام، ولا في باب الإعتقاد، ولا في
العبادات ولا في المعاملات. فكلاهما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وكلاهما من الوحي، كلاهما المعنى والخبر والأمر والنهي والوعد
والوعيد من الله جل وعلا، كلاهما واجب التعظيم، وكلاهما واجب الإمتثال،
كلاهما واجب التقديم، لكليهما يجب أن يُقال “سمعنا وأطعنا”، كلاهما محفوظ
ومعصوم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا نفرق بين الكتاب
والسنة، والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنّة كما سيأتي إن شاء الله
تعالى.
قال إمام أهل السنة، الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في متن أصول السنّة:
”
والسنّة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والسنّة تفسّر القرآن،
وهي دلائل القرآن، وليس في السنّة قياس، ولا تُضرب لها الأمثال، ولا تُدرك
بالعقول ولا الأهواء، إنما هو الإتّباع وترك الهوى “.
هنا يقصد الإمام
أحمد رحمه الله في قوله “والسنة عندنا..” أي حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلّم وآثاره بالمعنى الخاص، حيث قصد بالسنّة في قوله في مطلع المتن ” أصول
السنّة عندنا “، أي أصول الإعتقاد والتديّن.
وهنا في قوله أعلاه يؤكد
الإمام رحمه الله هذا الأصل العظيم، وهو الإعتقاد الجازم أنه لا فرق بين
القرآن والسنّة. إذ أنه من المآخذ المشهورة والمعروفة عند أهل البدع قديماً
وحديثاً أنهم يحاولون التفريق بين القرآن وبين السنّة. فانتبه يا عبد الله
من هذا، واعلم أن الرجل إذا فرّق بين القرآن وبين السنّة فإنه، إن كان
يدري ما يقول، ليس متّبعاً لسبيل المؤمنين، بل هو من أهل الأهواء
والمبتدعين، فاحذره وإياك وإياه.
أما الأدلة من الكتاب والسنّة على
هذا الأصل العظيم، وفي الحث على وجوب اتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام
وطاعته ووجوب الإحتكام إليها، فكثيرة وكثيرةٌ جداً. أجتزىء بذكر بعضها على
سبيل الذكرى “فإن الذكرى تنفع المؤمنين”، والله تعالى وحده الموفق.
قال
سبحانه وتعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا
عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَىٰ
فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا [المزمل: 15-16]
وقال
جل وعلا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (الأحزاب :
36)
وقال المعبود الحق سبحانه:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الحجرات : 1)
وقال: قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (آل عمران:32)
وقال عز وجل: مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (النساء:80)
وقال
جل ثناءه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
(النساء:59)
وقال
جل من قائل: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ
فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ
الْمُبِينُ [المائدة : 92]
وقال سبحانه: قلْ أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ
وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى
الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور : 54]
وقال تعالى:
لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النور : 63)
وقال تبارك
وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ
يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
(الأنفال : 24)
وقال جل في علاه: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا
خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (النساء13-14)
وقال أيضاً:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ
إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا
إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ
الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (النساء:60-61)
وقال
تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
(النور:52-51)
وقال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ (الحشر:7)
وقال جلّ وعلا: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى . مَا
ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى . وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى . إِنْ هُوَ
إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (النجم4:1)
وقال سبحانه: وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (النحل:44)
- وغير ذلك الكثير من الآيات في كتاب ربِّنا عز وجل، فيها الأمر بطاعة رسوله الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما الأحاديث التي تدعو إلى اتباع النبي عليه الصلاة والسلام:
1-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” كل
أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قالوا : ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل
الجنة ، ومن عصاني فقد أبى ” .أخرجه البخاري في “صحيحه – كتاب الاعتصام ” .
2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :
”
جاءت ملائكة إلى النبي وهو نائم ، فقال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم :
إن العين نائمة ، والقلب يقظان ، فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلا ، فاضربوا
له مثلا ، فقالوا : مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيه مأدبة ، وبعث داعياً
، فمن أجاب الداعي دخل الدار ، وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي لم
يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ، فقالوا : أولوها يفقهها ، فقال بعضهم :
إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا فالدار الجنة ، والداعي محمد ، فمن
أطاع محمداً فقد أطاع الله ، ومن عصى محمداً فقد عصى الله ، ومحمد فرق بين
الناس ” أخرجه البخاري أيضاً .
3- عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
”
إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال : يا قوم إني
رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير العريان ، فالنجاء النجاء ، فأطاعه
طائفة من قومه فأدلجوا ، فأنطلقوا على مهلهم فنجوا ، وكذبت طائفة منهم
فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعني فاتبع
ما جئت به ، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق ” . أخرجه البخاري
ومسلم .
4- عن أبي رافع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ” لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري ،
مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله
اتبعناه ( وإلا فلا ) ” . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة
والطحاوي وغيرهم بسند صحيح .
5- عن المقدام بن معدي كرب رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ألا إني أوتيت القرآن
ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما
وجدتم فيه من حرام فحرموه ، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله ، ألا لا
يحل لكم ال************ الأهلي ، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد
إلا أن يستغني عنها صاحبها ، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه،
فله أن يعقبهم بمثل قراه ” . رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد
بسند صحيح .
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ” تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم ( ما تمسكتم بهما ) كتاب
الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض ” . أخرجه مالك مرسلاً ،
والحاكم مسنداً وصححه .
* في الحديثين الأخيرين يتبيّن الدليل على
أنه لا فرق بين الكتاب والسنّة في قوله عليه الصلاة والسلام: ” ألا إني
أوتيت القرآن ومثله معه “، وقوله ” ولن يتفرقا (أي الكتاب والسنّة) حتى
يردا على الحوض “.
وغير ذلك من الأحاديث النبوية.
قال الإمام المحدّث الشيخ محمد ناصر الدين والسنّة الألباني رحمه الله معلقاً على هذه النصوص:
” وفي هذه النصوص من الآيات والأحاديث أمور هامة جداً يمكن إجمالها فيما يلي :
1-
أنه لا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله ، وأن كلا منهما ، ليس للمؤمن
الخيرة في أن يخالفهما ، وأن عصيان الرسول كعصيان الله تعالى ، وأنه ضلال
مبين .
2- أنه لا يجوز التقدم بين يدي الرسول كما لا يجوز التقدم بين
يدي الله تعالى ، وهو كناية عن عدم جواز مخالفة سنته ، قال الإمام ابن
القيم في “إعلام الموقعين”(1/58) : ” أي لا تقولوا حتى يقول، وتأمروا حتى
يأمر ، ولا تفتوا حتى يفتي ، ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه
ويمضي ” .
3- أن التولي عن طاعة الرسول إنما هو من شأن الكافرين .
4- أن المطيع للرسول مطيع لله تعالى .
5- وجوب الرد والرجوع عند التنازع والاختلاف في شيء من أمور الدين إلى الله وإلى الرسول، قال ابن القيم (1/54) :
“فأمر
تعالى بطاعته وطاعة رسوله ، وأعاد الفعل ( يعني قوله : وأطيعوا الرسول )
إعلاماً بأن طاعته تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب ، بل إذا
أمر وجبت طاعته مطلقاً سواء كان ما أمر به في الكتاب ، أو لم يكن فيه ،
فإنه ” أوتي الكتاب ومثله معه ” ، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً ،
بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول ” ومن المتفق عليه عند
العلماء أن الرد إلى الله إنما هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول ، هو
الرد إليه في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته ، وأن ذلك من شروط الإيمان .
6-
أن الرضى بالتنازع ، بترك الرجوع إلى السنة للخلاص من هذا التنازع سبب هام
في نظر الشرع لإخفاق المسلمين في جميع جهودهم ، ولذهاب قوتهم وشوكتهم .
7- التحذير من مخالفة الرسول لما لها من العاقبة السيئة في الدنيا والآخرة .
8- استحقاق المخالفين لأمره الفتنة في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة .
9- وجوب الاستجابة لدعوة الرسول وأمره ، وأنها سبب الحياة الطيبة ، والسعادة في الدنيا والآخرة .
10- أن طاعة النبي سبب لدخول الجنة والفوز العظيم ، وأن معصيته وتجاوز حدوده سبب لدخول النار والعذاب المهين .
11-
أن من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر أنهم إذا
دعوا إلى أن يتحاكموا إلى الرسول وإلى سنته ، لا يستجيبون لذلك ، بل يصدون
عنه صدوداً .
12- وأن المؤمنين على خلاف المنافقين ، فإنهم إذا دعوا إلى
التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بادروا إلى الاستجابة لذلك ،
وقالوا بلسان حالهم وقالهم : ” سمعنا وأطعنا ” ، وأنهم بذلك يصيرون مفلحين ،
ويكونون من الفائزين بجنات النعيم .
13- كل ما أمرنا به الرسول يجب علينا اتباعه فيه ، كما يجب علينا أن ننتهي عن كل ما نهانا عنه.
14- أنه أسوتنا وقدوتنا في كل أمور ديننا إذا كنا ممن يرجو الله واليوم الآخر .
15-
وأن كل ما نطق به رسول الله مما لا صلة بالدين والأمور الغيبية التي لا
تعرف بالعقل ولا بالتجربة فهو وحي من الله إليه . لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه .
16- وأن سنته صلى الله عليه وسلم هي بيان لما أنزل إليه من القرآن .
17-
وأن القرآن لا يغني عن السنة ، بل هي مثله في وجوب الطاعة والاتباع ، وأن
المستغني به عنها مخالف للرسول عليه الصلاة والسلام غير مطيع له ، فهو بذلك
مخالف لما سبق من الآيات .
18- أن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ،
وكذلك كل شيء جاء به رسول الله مما ليس في القرآن ، فهو مثل ما لو جاء في
القرآن لعموم قوله : ” ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه “.
19- أن العصمة
من الانحراف والضلال إنما هو التمسك بالكتاب والسنة ، وأن ذلك حكم مستمر
إلى يوم القيامة ، فلا يجوز التفريق بين كتاب الله وسنة نبيه تسلمياً كثيرا
.
* لزوم اتباع السنة على كل جيل في العقائد والأحكام :
أيها
الإخوة الكرام ! هذه النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة كما أنها دلت دلالة
قاطعة على وجوب اتباع السنة اتباعاً مطلقاً في كل ما جاء به النبي ، وأن من
لم يرض بالتحاكم إليها والخضوع لها فليس مؤمناً ، فإني أريد أن ألفت نظركم
إلى أنها تدل بعموماتها وإطلاقاتها على أمرين آخرين هامين أيضاً :
الأول
: أنها تشمل كل من بلغته الدعوة إلى يوم القيامة ، وذلك صريح في قوله
تعالى : “لأنذركم به ومن بلغ” ، وقوله : “وما أرسلناك إلا كافة للناس
بشيراً ونذيراً” وفسره بقوله في حديث :
“… وكان النبي يبعث إلى قومه
خاصة ، وبعثت إلى الناس كافة ” متفق عليه ، وقوله : ” والذي نفسي بيده لا
يسمع بي رجل من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من
أهل النار ” رواه مسلم وابن منده وغيرهما ( الصحيحة 157 ) .
والثاني :
أنها تشمل كل أمر من أمور الدين ، لا فرق بين ما كان منه عقيدة علمية، أو
حكماً عملياً، أو غير ذلك ، فكما كان يجب على كل صحابي أن يؤمن بذلك كله
حين يبلغه من النبي أو من صحابي آخر عنه كان يجب كذلك على التابعي حين
يبلغه عن الصحابي ، فكما لا يجوز للصحابي مثلاً أن يرد حديث النبي إذا كان
في العقيدة بحجة أنه خبر آحاد سمعه عن صحابي مثله عنه ، فكذلك لا يجوز لمن
بعده أن يرده بالحجة نفسها مادام أن المخبر به ثقة عنده ، وهكذا ينبغي أن
يستمر الأمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وقد كان الأمر كذلك في عهد
التابعين والأئمة المجتهدين كما سيأتي النص بذلك عن الإمام الشافعي رحمه
الله تعالى .
* تحكم الخلف بالسنة بدل التحاكم إليها :
ثم خلف من
بعدهم خلف أضاعوا السنة النبوية وأهملوها ، بسبب أصول تبناها بعض علماء
الكلام، وقواعد زعمها بعض علماء الأصول والفقهاء المقلدين ، كان من نتائجها
الإهمال المذكور الذي أدى بدوره إلى الشك في قسم كبير منها ، ورد قسم آخر
منها لمخالفتها لتلك الأصول والقواعد ، فتبدلت الآية عند هؤلاء ، فبدل أن
يرجعوا بها إلى السنة ويتحاكموا إليها ، فقد قلبوا الأمر ، ورجعوا بالسنة
إلى قواعدهم وأصولهم ، فما كان منها موافقاً لقواعدهم قبلوه ، وإلا رفضوه ،
وبذلك انقطعت الصلة التامة بين المسلم وبين النبي ، وخاصة عند المتأخرين
منهم ، فعادوا جاهلين بالنبي وعقيدته وسيرته وعبادته ، وصيامه وقيامه وحجة
وأحكامه وفتاويه ، فإذا سئلوا عن شيء من ذلك أجابوك إما بحديث ضعيف أو لا
أصل له ، أو بما في المذهب الفلاني ، فإذا اتفق أنه مخالف للحديث الصحيح
وذكروا به لا يذكرون ، ولا يقبلون الرجوع إليه لشبهات لا مجال لذكرها الآن ،
وكل ذلك سببه تلك الأصول والقواعد المشار إليها ، وسيأتي قريباً ذكر بعضها
إن شاء الله تعالى .
ولقد عم هذا الوباء وطم كل البلاد الإسلامية ،
والمجلات العلمية والكتب الدينية إلا نادراً ، فلا تجد من يفتي فيها على
الكتاب والسنة إلا أفراداً قليلين غرباء ، بل جماهيرهم يعتمدون فيها على
مذهب من المذاهب الأربعة ، وقد يتعدونها إلى غيرها إذا وجدوا في ذلك مصلحة –
كما زعموا – وأما السنة فقد أصبحت عندهم نسياً منسياً ، إلا إذا اقتضت
المصلحة عندهم الأخذ بها ، كما فعل بعضهم بالنسبة لحديث ابن عباس في الطلاق
بلفظ ثلاث وأنه كان على عهد النبي طلقة واحدة ، فقد أنزلوها منزلة بعض
المذاهب المرجوحة ! وكانوا قبل أن يتبنوه يحاربونه ويحاربون الداعي إليه
!”. إنتهى كلامه رحمه الله تعالى.
أسأل الله عز وجلّ أن يجعلنا
وإياكم من العالمين العاملين بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم،
المعتصمين بهما، الداعين إلى دينه سبحانه وتعالى على بصيرة، الذابّين عن
سنة نبيه صلى الله عليه وسلم المُحيين لها، المتّبعين سبيلَ المؤمنين من
الأصحاب والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، رضي الله عنهم أجمعين. اللهم
آمين.
وصلِّ اللهم وبَارِكْ على نَبِيِّكَ محمدٍ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلِّمْ.
- PRINCESSAمشرفة منتدى حلويات
- الجنس :
عدد المساهمات : 29189
تاريخ التسجيل : 17/12/2009
رد: غلط التفريق بين الكتاب والسنة
الأحد 6 مايو 2012 - 15:52
موضوع رائع
سلمت يداك على الطرح المميز
يعطيك ربي الف عافيه
ولا يحرمنا من ابداعك وتميزك
بانتظـــــــــــــــار جديدك
سلمت يداك على الطرح المميز
يعطيك ربي الف عافيه
ولا يحرمنا من ابداعك وتميزك
بانتظـــــــــــــــار جديدك
- FLATنائب المراقب العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 29873
تاريخ التسجيل : 09/12/2009
رد: غلط التفريق بين الكتاب والسنة
الإثنين 7 مايو 2012 - 9:55
- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
رد: غلط التفريق بين الكتاب والسنة
الإثنين 7 مايو 2012 - 12:57
- داديعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 13031
تاريخ التسجيل : 30/04/2010
رد: غلط التفريق بين الكتاب والسنة
الإثنين 4 يونيو 2012 - 9:56
شكرا لك على الموضوع المتميز
- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
رد: غلط التفريق بين الكتاب والسنة
الثلاثاء 5 يونيو 2012 - 2:32
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى