- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
ضوابط الكتابة في السيرة النبوية
الجمعة 6 أبريل 2012 - 13:34
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ،
مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ،
وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ،
ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً .. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
إخوانى وأخواتى الاعزاء
اعضاء منتدانا الغالى
منذ الصدر الأول للإسلام على كتابة وتدوين السيرة النبوية والعمل بها، لأنها تتضمنأحد أركان الدعوة إلى الله بعد القرآن الكريم، حيث إنه لا يخفى على أحد منزلة السنةالنبوية من الدين، لأنها هي المصدر الثاني للدين الإسلامي الحنيف، ولا شك أن التصدرللكتابة في السيرة النبوية يتطلب ضوابط وشروط محددة ينبغي للباحث وللمشتغل بعلومالشريعة أن يأخذها بعين الاعتبار، ويطلع على تفاصيلها، لا سيما في تلك الجوانب التيليس للعقل فيها مدخل، كالعبادات وبعض التشريعات، حيث تنقل بصدق وأمانة، وتطبق كماجاءت، ولهذا حدد العلماء مناهج يُأخذ من خلالها الفهم السديد والمعنى الصحيح للسيرةالنبوية، وحتى لا يتطفل عليها من ليس له علم وإحاطة بعلم الواقع وعلم المقاصد وغيرذلك مما له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمفهوم السنة النبوية، وتطبيقاتها في ميدانالدعوة إلى الله.
وإنه ليحزننا أن بعض من ينتسب للسنة، ويدعي أنه داعٍ إلىالله، قد أساء من حيث ظن أنه يحسن، فشوه بعض مظاهر السنة النبوية حين أراد أن يبينللناس سيرة النبي(صلى الله عليه وسلم) فلم يوفق بسبب عدم فهمه للنصوص النبويةولأعمال النبي(صلى الله عليه وسلم)، وهذا ديدن من لم يُقدّر تنزيل النصوص على واقعالناس، خاصة إذا تعلق الأمر بمسائل تخص جوانب حياة الناس، فلم يفرق بين ما هو حكمشرعي وبين ما هو فتوى، وبين ما هو قضاء، ولهذا أردنا أن نبين في هذا البحث المتواضعضوابط التعامل مع السيرة النبوية كتابة وتطبيقا، ونبرز منهج وأسلوب رسول الله فيباب الدعوة إلى الله تعالى: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾ .
وعليه قبل الولوج في معترك هذه الوريقات من هذا البحث، لا بد أن نذكّر ببعضالمسائل المهمة، وهي ست مسائل لها علاقة مباشرة بمنهج التعامل مع السنة النبوية:
المسألة الأولى: المصادر الصحيحة لأخبار السيرة النبويةوهي الكتب والمؤلفات التي تُعنى بحياة النبي(صلى الله عليه وسلم)،وأصحابه وتقص علينا أخبار السابقين، مثل القرآن الكريم الذي يعرض حال محمد(صلى اللهعليه وسلم)، وأصحابه وحال المشركين وكيدهم، كقوله عن رسول الله وأصحابه ﴿محمد رسولالله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ ، وبعض كتب أهل الكتاب التي تصفالنبي(صلى الله عليه وسلم) وتسميته بأحمد والتبشير به، وكوصف أصحابه بأن أناجيلهمفي صدورهم... الخ، وكتب التفسير والسير كسيرة ابن هشام وسيرة ابن كثير..، ثم يلحقبهذه الكتب ما تعلق بالحديث النبوي وبالرواية الصحيحة التي لها علاقة بحياةالمصطفى(صلى الله عليه وسلم)، وما جمعـه علماء السـيرة ورواتها الأوائل، من أمثالعروة بن الزبير ت: (93هـ)، ومحمد بن مسلم الزهري ت: (124هـ)، وموسى بن عقبة ت: (141هـ)، وابن إسحاق ت: (151هـ)، وأمثالهم، وكذا ما دُوِّن في المصادر التاريخيةالعامة من الحوادث والتراجم، وهـذا النوع يحتاج إلى نقد وتمييز لمعرفة الصحيح منغيره قبل أن نأخذ الدرس التربوي والعبرة من الحدث، وقبل الاستدلال به على الحكمالشرعي.
المسألة الثانية: التأصيل الشرعي للحوادثالتاريخية للسيرة النبويةكما أشرنا سابقا إلى الذين يتصدرون في الحديثعن السنة والسيرة النبوية دون بصيرة وروية، وربما يحكمون على بعض الأفعال والأقوالالتي تصدر عن النبي(صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، دون الإحاطة بمقاصد الشرع، ودونالنظر بعيدا، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، وهذا الذي يسقط فيه كل من لم تكن لهمنهجية واضحة وضوابط دقيقة تقيه من الوقوع في الزلل، حيث يصل إلى أحكام صحيحة،وقوانين ثابتة.
ويقول الدكتور محمد بن صامل السلمي في هذا الصدد: «المشتغلبعلوم السيرة النبوية لا بد له من دراسة الشريعة من مصادرها حتى يفهم حقيقةالإسلام، ومنهجه الكامل، وفقه أحكامه، ودراسة منهج الاستدلال عند علماء الشريعة،كما يجب عليه الالتزام بمصطلحاته الشرعية، وفقه لغته التي نزل بها القرآن،والاعتقاد بأنه الدين الحق والمنهج الخالد الذي له الحاكمية والهيمنة على الأديانكلها.
فمن لا يفهم حقيقة الإسلام وشموليته لكافة مناحي الحياة وأنشطتهاالسياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، تكون أغلب تفسيراته وتحليلاته خاطئةومخالفة لكثير من قواعد الشريعة وأحكامها، والقاعدة المنطقية تقرر أن الحكم علىالشيء فرع عن تصوره، فلا بد من تصور حقيقة الإسلام من مصادره تصورا صحيحا وإلا وقعالباحث في خلط وقرر نتائج غير صحيحة.
ومما ينبغي الالتزام به المصطلحاتالشرعية، فإنها التي يتعلق بها الثواب والعقاب، والمدح والذم مثل: مؤمن، مسلم،منافق، كافر، أولياء الرحمن، أولياء الشيطان. فالواجب الالتزام بالتسميات الشرعية،ولا يعدل عنها في تقسيم الناس والدول إلى تقدمي ورجعي، ويميني ويساري، ووسط، ودولمتقدمة، ودول متأخرة أو نامية، فإن هذا خلط يسبب التضليل وتمييع الأحكام الشرعيةالتي تستلزم المحبة والبغض، والولاء والبراء، وتترتب عليها الآثار الشرعية والمواقفالصحيحة، أما المصطلحات غير الشرعية فلا يترتب عليها مجردة مدح أو ذم في الشرع،وهذه المصطلحات وافدة من بيئة غير البيئة الإسلامية ومن ثقافة أمم غير الأمةالإسلامية، فلا يمكن تطبيقها أو استخدامها في التاريخ والحضارة الإسلامية لاختلافالمنشأ الفكري والبيئة والتراث الثقافي، فالتقدمي في عرفهم أفضل من الرجعي، وكذااليساري بالنسبة لليميني، أما في الشريعة الإسلامية فإنه لا ينظر إلى مجرد المصطلحوالوصف الذي يطلق، وإنما ينظر إلى موقف من يوصف بذلك المصطلح من الشرع والتزامهبذلك أو عدمه، فربما يكون الرجعي الذي هو وصف ذم عندهم أفضل وأتقى عند الله لتمسكهبالشرع المطهر، فيكون ممدوحاً، وإطلاق مثل هذا المصطلح يكون من باب التنابزبالألقاب المنهي عنه شرعاً» .
المسألة الثالثة: تفسيرأحداث السيرة النبويةإن تفسير أحداث السيرة النبوية واستخلاص فوائدها هوثمرة دراستها ومقصدها الأسمى، وهذه السيرة هي سيرة نبي ورسول اختاره الله واصطفاه.
وعليه فإن على المسلم الباحث في مثالب السيرة النبوية أن يبرز روح البحثالحقيقية، وأن يخضع إلى المناهج العلمية في دراسته للسنة النبوية، ويجب عليه عدمالانسياق وراء المنطق التسويغي، وعليه التحرر من الروح الانهزامية عند تحليل أحداثالسيرة النبوية، وأن يعظم ويحترم الأحكام الشرعية المقررة ويلتزم بها بكل وضوح معالاعتزاز بمعطياتها.
المسألة الرابعة: ضوابط استخراجالدروس والعبر والعضات من السيرة النبويةمن أهم الفوائد المرجوة منالبحث في السيرة النبوية، هي الوصول إلى أحكام حقيقية صحيحة، واستنباط عبر وأحكاممن خلال طرق الاستدلال التي دأب عليها العلماء، والضوابط المتبعة في ذلك، مثلالتأكد من صحة الحدث أو الواقعة حتى يصح الاستدلال بها، وها يحتاج منا العمل على:
1- بذل الجهد في جمع الأخبار الواردة في الموضوع الواحد.
2- معرفة حدودالعقل في نقد الأخبار.
3- ملاحظة المراحل التي مرت بها السيرة النبوية ونزولالتشريع.
4- ملاحظة أن الرسول(صلى الله عليه وسلم) قد اتخذ بعض المواقف، وعقدبعض المعاهدات بموجب ما أوحى الله إليه.
5- هناك أمور في السيرة النبوية وقعتحديدها قدرا واتفاقا فلا يقاس عليها.
المسألة الخامسة: الاهتمام بالسنن والقوانين الربانية وإبرازهاتنقسم السنن الربانية إلىثلاثة أقسام، سنن كونية، وسنن شرعية، وسنن اجتماعية، والذي يهم الباحث في السيرةالنبوية هو القسمين الأخيرين من السنن، السنن الشرعية المتعلقة بالأمر والنهيالرباني، والسنن الاجتماعية.
وعليه فينبغي للباحث في السيرة النبوية أن يأخذهذه القضايا على محمل الجد ولا يهملها لأنها مسائل مهمة، لا سيما قضية الابتلاء،ومسألة مدافعة الباطل وأهله، وكذا سنن التمكين في الأرض، «وهذه السنن الثلاث -الابتلاء، المدافعة للباطل، التمكين- بينها ترابط واضح للغاية، ذلك أن أهل الإيمانالحق يُبتلون في أنفسهم وأهليهم، ويعاديهم أهل الباطل من المشركين والمنافقينوالعصاة، فإذا ثبتوا على الحق ودافعوا أهل الباطل وسعوا في كشفه، وأمروا بالمعروفونهوا عن المنكر، كتب الله لهم التمكين والنصر، وأبدلهم بعد خوفهم أمنا، ومن بعدشدتهم رخاء، وهذه السراء من البلاء الذي يختبرون به، فلا بد من مراعاة حق الله، وحقعباده، والقيام بذلك في كل الأحوال، في السراء، وفي الضراء، حتى يستمر لهم التمكينوالنصر في الدنيا، ويستحقون الجزاء الأخروى في جنات النعيم، وإن هم أعرضوا وأخلُّوابشروط التمكين فإن سنة الله الأخرى تنتظرهـم وتحيق بـهم، وهي سـنة الاستبدال وذلكعندما تفقد الأمة صلاحية الاستمرار قال تعالى: )وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم( ، والمتأمل في وقائع السيرة النبوية وسير الدعوة يرى التعامل معهذه السنن والوعي بها واضحا حتى كتب الله لهم النصر والتمكين» .
المسألة السادسة: معرفة مواضع الاقتداء من فعله(صلى الله عليهوسلم)
إن أفعال النبي(صلى الله عليه وسلم) وأقواله مختلفة متنوعة، منهاما يفعله بحسب جبلته وطبيعته البشرية، مثل القيام والقعود والأكل والشرب، وقضاءالحاجة والنوم...الخ، فهذه أفعال مباحة لم يقصد بها التشريع في أصلها لكن لها آدابوقواعد عامة في ممارستها والقيام بها، فهذه الآداب يتأسى به (صلى الله عليه وسلم) فيها ويبتعد عن ما نهى عنه منها.
وهناك أفعال وأحكام ثَبُتَ اختصاصه (صلى اللهعليه وسلم) بها، مثل الجمع بين أكثر من أربع نساء، وأنه لا يورث، وأبيـح له الوصالفي الصيام دون غيره من الأمة، ولم يحسن الكتابة ويحرم عليه تعلمها، والكذب عليه ليسكالكذب على غيره فإنه يوجب دخول النار، ومن سبه وجب قتله رجلا أو امرأة، والتبركبآثاره مثل شعره وثيابه، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، ولذلك لا ينتقض وضوءهبالنوم... إلى غير ذلك من الخصائص الثابتـة والتي ذكرهـا أهل العلم وأفردها بعضهمبمؤلفات .
فهذه الأفعال والأحكام خاصة به ويحرم الاقتداء والتأسي به فيها، وقداهتم أهل العلم ببيانها حتى لا يغتر الجاهل إذا وقف عليها في أخبار السيرة النبويةفيعمل بها على أصل التأسي والاقتداء.
وهناك أفعال بيانية يقصد بها بيان التشريعمثل أفعال الصلاة، وأفعال الحج، فهذه الأفعال تابعة لما بيَّنه؛ فإن كان الفعلالمبين واجباً، كان الفعل المبـين له واجبا، وإن كان الفعل المُبيَّن سنة كان الفعلالمبيِن له سنة، وهكذا، وهذا النوع من أفعاله (صلى الله عليه وسلم) هو الباب الواسعفي الاقتداء والتأسي به، والواجب معرفة هذه الأنواع من أفعاله (صلى الله عليه وسلم) حتى يحصل الاقتداء والتأسي به على علم وبرهان
للدكتور: د. محمد بن صامل السلمي.
مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ،
وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ،
ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً .. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة
إخوانى وأخواتى الاعزاء
اعضاء منتدانا الغالى
منذ الصدر الأول للإسلام على كتابة وتدوين السيرة النبوية والعمل بها، لأنها تتضمنأحد أركان الدعوة إلى الله بعد القرآن الكريم، حيث إنه لا يخفى على أحد منزلة السنةالنبوية من الدين، لأنها هي المصدر الثاني للدين الإسلامي الحنيف، ولا شك أن التصدرللكتابة في السيرة النبوية يتطلب ضوابط وشروط محددة ينبغي للباحث وللمشتغل بعلومالشريعة أن يأخذها بعين الاعتبار، ويطلع على تفاصيلها، لا سيما في تلك الجوانب التيليس للعقل فيها مدخل، كالعبادات وبعض التشريعات، حيث تنقل بصدق وأمانة، وتطبق كماجاءت، ولهذا حدد العلماء مناهج يُأخذ من خلالها الفهم السديد والمعنى الصحيح للسيرةالنبوية، وحتى لا يتطفل عليها من ليس له علم وإحاطة بعلم الواقع وعلم المقاصد وغيرذلك مما له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمفهوم السنة النبوية، وتطبيقاتها في ميدانالدعوة إلى الله.
وإنه ليحزننا أن بعض من ينتسب للسنة، ويدعي أنه داعٍ إلىالله، قد أساء من حيث ظن أنه يحسن، فشوه بعض مظاهر السنة النبوية حين أراد أن يبينللناس سيرة النبي(صلى الله عليه وسلم) فلم يوفق بسبب عدم فهمه للنصوص النبويةولأعمال النبي(صلى الله عليه وسلم)، وهذا ديدن من لم يُقدّر تنزيل النصوص على واقعالناس، خاصة إذا تعلق الأمر بمسائل تخص جوانب حياة الناس، فلم يفرق بين ما هو حكمشرعي وبين ما هو فتوى، وبين ما هو قضاء، ولهذا أردنا أن نبين في هذا البحث المتواضعضوابط التعامل مع السيرة النبوية كتابة وتطبيقا، ونبرز منهج وأسلوب رسول الله فيباب الدعوة إلى الله تعالى: ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾ .
وعليه قبل الولوج في معترك هذه الوريقات من هذا البحث، لا بد أن نذكّر ببعضالمسائل المهمة، وهي ست مسائل لها علاقة مباشرة بمنهج التعامل مع السنة النبوية:
المسألة الأولى: المصادر الصحيحة لأخبار السيرة النبويةوهي الكتب والمؤلفات التي تُعنى بحياة النبي(صلى الله عليه وسلم)،وأصحابه وتقص علينا أخبار السابقين، مثل القرآن الكريم الذي يعرض حال محمد(صلى اللهعليه وسلم)، وأصحابه وحال المشركين وكيدهم، كقوله عن رسول الله وأصحابه ﴿محمد رسولالله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ ، وبعض كتب أهل الكتاب التي تصفالنبي(صلى الله عليه وسلم) وتسميته بأحمد والتبشير به، وكوصف أصحابه بأن أناجيلهمفي صدورهم... الخ، وكتب التفسير والسير كسيرة ابن هشام وسيرة ابن كثير..، ثم يلحقبهذه الكتب ما تعلق بالحديث النبوي وبالرواية الصحيحة التي لها علاقة بحياةالمصطفى(صلى الله عليه وسلم)، وما جمعـه علماء السـيرة ورواتها الأوائل، من أمثالعروة بن الزبير ت: (93هـ)، ومحمد بن مسلم الزهري ت: (124هـ)، وموسى بن عقبة ت: (141هـ)، وابن إسحاق ت: (151هـ)، وأمثالهم، وكذا ما دُوِّن في المصادر التاريخيةالعامة من الحوادث والتراجم، وهـذا النوع يحتاج إلى نقد وتمييز لمعرفة الصحيح منغيره قبل أن نأخذ الدرس التربوي والعبرة من الحدث، وقبل الاستدلال به على الحكمالشرعي.
المسألة الثانية: التأصيل الشرعي للحوادثالتاريخية للسيرة النبويةكما أشرنا سابقا إلى الذين يتصدرون في الحديثعن السنة والسيرة النبوية دون بصيرة وروية، وربما يحكمون على بعض الأفعال والأقوالالتي تصدر عن النبي(صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، دون الإحاطة بمقاصد الشرع، ودونالنظر بعيدا، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، وهذا الذي يسقط فيه كل من لم تكن لهمنهجية واضحة وضوابط دقيقة تقيه من الوقوع في الزلل، حيث يصل إلى أحكام صحيحة،وقوانين ثابتة.
ويقول الدكتور محمد بن صامل السلمي في هذا الصدد: «المشتغلبعلوم السيرة النبوية لا بد له من دراسة الشريعة من مصادرها حتى يفهم حقيقةالإسلام، ومنهجه الكامل، وفقه أحكامه، ودراسة منهج الاستدلال عند علماء الشريعة،كما يجب عليه الالتزام بمصطلحاته الشرعية، وفقه لغته التي نزل بها القرآن،والاعتقاد بأنه الدين الحق والمنهج الخالد الذي له الحاكمية والهيمنة على الأديانكلها.
فمن لا يفهم حقيقة الإسلام وشموليته لكافة مناحي الحياة وأنشطتهاالسياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، تكون أغلب تفسيراته وتحليلاته خاطئةومخالفة لكثير من قواعد الشريعة وأحكامها، والقاعدة المنطقية تقرر أن الحكم علىالشيء فرع عن تصوره، فلا بد من تصور حقيقة الإسلام من مصادره تصورا صحيحا وإلا وقعالباحث في خلط وقرر نتائج غير صحيحة.
ومما ينبغي الالتزام به المصطلحاتالشرعية، فإنها التي يتعلق بها الثواب والعقاب، والمدح والذم مثل: مؤمن، مسلم،منافق، كافر، أولياء الرحمن، أولياء الشيطان. فالواجب الالتزام بالتسميات الشرعية،ولا يعدل عنها في تقسيم الناس والدول إلى تقدمي ورجعي، ويميني ويساري، ووسط، ودولمتقدمة، ودول متأخرة أو نامية، فإن هذا خلط يسبب التضليل وتمييع الأحكام الشرعيةالتي تستلزم المحبة والبغض، والولاء والبراء، وتترتب عليها الآثار الشرعية والمواقفالصحيحة، أما المصطلحات غير الشرعية فلا يترتب عليها مجردة مدح أو ذم في الشرع،وهذه المصطلحات وافدة من بيئة غير البيئة الإسلامية ومن ثقافة أمم غير الأمةالإسلامية، فلا يمكن تطبيقها أو استخدامها في التاريخ والحضارة الإسلامية لاختلافالمنشأ الفكري والبيئة والتراث الثقافي، فالتقدمي في عرفهم أفضل من الرجعي، وكذااليساري بالنسبة لليميني، أما في الشريعة الإسلامية فإنه لا ينظر إلى مجرد المصطلحوالوصف الذي يطلق، وإنما ينظر إلى موقف من يوصف بذلك المصطلح من الشرع والتزامهبذلك أو عدمه، فربما يكون الرجعي الذي هو وصف ذم عندهم أفضل وأتقى عند الله لتمسكهبالشرع المطهر، فيكون ممدوحاً، وإطلاق مثل هذا المصطلح يكون من باب التنابزبالألقاب المنهي عنه شرعاً» .
المسألة الثالثة: تفسيرأحداث السيرة النبويةإن تفسير أحداث السيرة النبوية واستخلاص فوائدها هوثمرة دراستها ومقصدها الأسمى، وهذه السيرة هي سيرة نبي ورسول اختاره الله واصطفاه.
وعليه فإن على المسلم الباحث في مثالب السيرة النبوية أن يبرز روح البحثالحقيقية، وأن يخضع إلى المناهج العلمية في دراسته للسنة النبوية، ويجب عليه عدمالانسياق وراء المنطق التسويغي، وعليه التحرر من الروح الانهزامية عند تحليل أحداثالسيرة النبوية، وأن يعظم ويحترم الأحكام الشرعية المقررة ويلتزم بها بكل وضوح معالاعتزاز بمعطياتها.
المسألة الرابعة: ضوابط استخراجالدروس والعبر والعضات من السيرة النبويةمن أهم الفوائد المرجوة منالبحث في السيرة النبوية، هي الوصول إلى أحكام حقيقية صحيحة، واستنباط عبر وأحكاممن خلال طرق الاستدلال التي دأب عليها العلماء، والضوابط المتبعة في ذلك، مثلالتأكد من صحة الحدث أو الواقعة حتى يصح الاستدلال بها، وها يحتاج منا العمل على:
1- بذل الجهد في جمع الأخبار الواردة في الموضوع الواحد.
2- معرفة حدودالعقل في نقد الأخبار.
3- ملاحظة المراحل التي مرت بها السيرة النبوية ونزولالتشريع.
4- ملاحظة أن الرسول(صلى الله عليه وسلم) قد اتخذ بعض المواقف، وعقدبعض المعاهدات بموجب ما أوحى الله إليه.
5- هناك أمور في السيرة النبوية وقعتحديدها قدرا واتفاقا فلا يقاس عليها.
المسألة الخامسة: الاهتمام بالسنن والقوانين الربانية وإبرازهاتنقسم السنن الربانية إلىثلاثة أقسام، سنن كونية، وسنن شرعية، وسنن اجتماعية، والذي يهم الباحث في السيرةالنبوية هو القسمين الأخيرين من السنن، السنن الشرعية المتعلقة بالأمر والنهيالرباني، والسنن الاجتماعية.
وعليه فينبغي للباحث في السيرة النبوية أن يأخذهذه القضايا على محمل الجد ولا يهملها لأنها مسائل مهمة، لا سيما قضية الابتلاء،ومسألة مدافعة الباطل وأهله، وكذا سنن التمكين في الأرض، «وهذه السنن الثلاث -الابتلاء، المدافعة للباطل، التمكين- بينها ترابط واضح للغاية، ذلك أن أهل الإيمانالحق يُبتلون في أنفسهم وأهليهم، ويعاديهم أهل الباطل من المشركين والمنافقينوالعصاة، فإذا ثبتوا على الحق ودافعوا أهل الباطل وسعوا في كشفه، وأمروا بالمعروفونهوا عن المنكر، كتب الله لهم التمكين والنصر، وأبدلهم بعد خوفهم أمنا، ومن بعدشدتهم رخاء، وهذه السراء من البلاء الذي يختبرون به، فلا بد من مراعاة حق الله، وحقعباده، والقيام بذلك في كل الأحوال، في السراء، وفي الضراء، حتى يستمر لهم التمكينوالنصر في الدنيا، ويستحقون الجزاء الأخروى في جنات النعيم، وإن هم أعرضوا وأخلُّوابشروط التمكين فإن سنة الله الأخرى تنتظرهـم وتحيق بـهم، وهي سـنة الاستبدال وذلكعندما تفقد الأمة صلاحية الاستمرار قال تعالى: )وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم( ، والمتأمل في وقائع السيرة النبوية وسير الدعوة يرى التعامل معهذه السنن والوعي بها واضحا حتى كتب الله لهم النصر والتمكين» .
المسألة السادسة: معرفة مواضع الاقتداء من فعله(صلى الله عليهوسلم)
إن أفعال النبي(صلى الله عليه وسلم) وأقواله مختلفة متنوعة، منهاما يفعله بحسب جبلته وطبيعته البشرية، مثل القيام والقعود والأكل والشرب، وقضاءالحاجة والنوم...الخ، فهذه أفعال مباحة لم يقصد بها التشريع في أصلها لكن لها آدابوقواعد عامة في ممارستها والقيام بها، فهذه الآداب يتأسى به (صلى الله عليه وسلم) فيها ويبتعد عن ما نهى عنه منها.
وهناك أفعال وأحكام ثَبُتَ اختصاصه (صلى اللهعليه وسلم) بها، مثل الجمع بين أكثر من أربع نساء، وأنه لا يورث، وأبيـح له الوصالفي الصيام دون غيره من الأمة، ولم يحسن الكتابة ويحرم عليه تعلمها، والكذب عليه ليسكالكذب على غيره فإنه يوجب دخول النار، ومن سبه وجب قتله رجلا أو امرأة، والتبركبآثاره مثل شعره وثيابه، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، ولذلك لا ينتقض وضوءهبالنوم... إلى غير ذلك من الخصائص الثابتـة والتي ذكرهـا أهل العلم وأفردها بعضهمبمؤلفات .
فهذه الأفعال والأحكام خاصة به ويحرم الاقتداء والتأسي به فيها، وقداهتم أهل العلم ببيانها حتى لا يغتر الجاهل إذا وقف عليها في أخبار السيرة النبويةفيعمل بها على أصل التأسي والاقتداء.
وهناك أفعال بيانية يقصد بها بيان التشريعمثل أفعال الصلاة، وأفعال الحج، فهذه الأفعال تابعة لما بيَّنه؛ فإن كان الفعلالمبين واجباً، كان الفعل المبـين له واجبا، وإن كان الفعل المُبيَّن سنة كان الفعلالمبيِن له سنة، وهكذا، وهذا النوع من أفعاله (صلى الله عليه وسلم) هو الباب الواسعفي الاقتداء والتأسي به، والواجب معرفة هذه الأنواع من أفعاله (صلى الله عليه وسلم) حتى يحصل الاقتداء والتأسي به على علم وبرهان
للدكتور: د. محمد بن صامل السلمي.
- مصطفى شحاذةمراقب عام
- الجنس :
عدد المساهمات : 17836
تاريخ التسجيل : 22/01/2010
رد: ضوابط الكتابة في السيرة النبوية
السبت 7 أبريل 2012 - 7:39
بارك الله بكِ
وأحسن إليك
وأحسن إليك
- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
رد: ضوابط الكتابة في السيرة النبوية
الإثنين 9 أبريل 2012 - 14:31
وجزاك خير الجزاء اخي ابا ابراهيم على هذا العبور الطيب منك
- FLATنائب المراقب العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 29873
تاريخ التسجيل : 09/12/2009
رد: ضوابط الكتابة في السيرة النبوية
الإثنين 7 مايو 2012 - 9:57
- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
رد: ضوابط الكتابة في السيرة النبوية
الإثنين 7 مايو 2012 - 12:48
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى