القرآن والحياة..........
+12
ZIDANE
Kojack
chiguivara_dz
عربي
ياسين
Bastos
Foot-Man
نهرو
Admin
PRINCESSA
مصطفى شحاذة
ام بدر
16 مشترك
- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
القرآن والحياة..........
الأحد 29 يناير 2012 - 23:32
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
أما بعد
الحمد لله الذي أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان وجعله طريقاً إلى الجنان ونجاة من النيران فيا فوز من جعله رفيقاً
ليكون له في القبر مؤنساً وفي القيامة شفيعاً ومن النار مخلصاً وإلى الجنة
قائداً ودليلاً.
والصلاة والسلام على من قام بالقرآن حتى تورمت قدماه حباً له ولمن أنزله وعلى أصحابه وأتباعه ومن سار على نهجه إلي يوم الدين.
وبعد
فقد منَّ الله تعالى على أمة الإسلام بهذا القرآن الذي فيه نبأ ما قبلها،
وخبر ما بعدها، وحكم ما بينها، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه
الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، والذكر
الحكيم، والصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به
الألسن، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه،
ولم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: "إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا
أَحَداً" (الجن: 1-2)، من قال به صدق، زمن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي
إلى صراط مستقيم.
إن هذا الكتاب الذي لم ولن تر عين أعظم منه ولا
أجل ولا أجمع ولا أبلغ ولا أنفع ولا أيسر وأوضح منه لكفيل بأن يلبي نداءات
الحياة في كافة الميادين والنواحي، فلا غنى للأحياء عنه ولا سبيل للعيش
الذي يستحق أن يسمى عيشاً إلا وفق هديه.
إن القرآن هو الحياة لو عقل
الناس، فالحياة الحقيقية هي التي تسير وفق منهج القرآن، وبغير منهجه فليس
ثمة حياة وإن رآها الناس كذلك، قال الله تعالى: "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ
مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ
لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأنعام:122)، فلا حياة في غير
القرآن كيف وهو الروح فهل حياة بغير روح قال الله تعالى: "وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ
مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا" (الشورى: من الآية52).
وحياة بغير روح لا تكون فمتى سلبت الروح ذهبت الحياة.
ولقد
وصف القرآن الذين عاشوا على غير هديه بالموتى، مع أنهم يأكلون ويشربون
ويروحون ويغدون قال الله: "إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ
الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي
الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ
بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ" (النمل:80، 81).
ووصف الله أولئك
المعرضين عن القرآن بالعمى قال الله تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ
كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى"
(طـه:124-126).
وكيف لا يكون القرآن حياة وفيه كل ما يطلبه العباد
في معاشهم وما يسعدهم في معادهم، فيه نظام الأسرة ونظام المجتمع ونظام
الحكم ونظام القضاء، فيه شفاء الأمراض وتصح العقيدة وتقويم الفكر وتهذيب
السلوك.
فيه بيان حق الوالد على ولده وحق الولد على والده وحق
الحاكم على المحكومين وحق المحكومين على الحاكم فيه بيان حق الفرد على
المجتمع وحق المجتمع على الأفراد فيه بيان حق الزوجة على زوجها وحق الزوج
على زوجته فيه بيان حق الأخ على أخيه وحق أولى القربى وحق الجار على جاره،
وفوق ذلك كله فيه بيان حق الله على عباده، فهل يا ترى تكون الحياة شيئاً
آخر غير ما ذكر؟
لقد أنزل الله كتابه الكريم لنبيه _صلى الله عليه
وسلم_ من أجل غاية وهدف هو إصلاح الدنيا وتحقيق سعادة الآخرة، وذلك الهدف
قد حوى القرآن في ثناياه ما هو كفيل بتحقيقه من الأحكام والشرائع والعظات
والعبر، قال الله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى
عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، قَيِّماً لِيُنْذِرَ
بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ
يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً" (الكهف:1،2)، قال
القرطبي: "أي مستقيم الحكمة لا خطأ فيه ولا فساد ولا تناقض"(1) وقد فصل
الله تعالى فيه كل ما يحتاجه العباد قال الله تعالى:" وَكُلَّ شَيْءٍ
فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً" (الإسراء: من الآية12)، ولقد أنزل الله الكتب
السابقة على أنبيائه لهذا الهدف وتلكم الغاية، فلم ينزلها الله تعالى من
أجل التذهيب والتقبيل ونحو ذلك بل أنزلها ليحي العباد على هديها قال الله
تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ"
(الحديد: من الآية25)، وقال الله تعالى:"وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ
بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً
لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً
لِلْمُتَّقِينَ" (المائدة:46)، وقال الله تعالى: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً
وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ
فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ" (البقرة: من الآية213).
وغير هذه الآيات
من القرآن كثير تدل على أن القرآن والكتب السماوية قبله وإن كانت البركة
فيها والتعبد بمدارسة القرآن لأمة محمد _صلى الله عليه وسلم_ وبالكتب
السابقة لتلك الأمم من أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى إلا أن الهدف
والغاية الأساسية من هذه الكتب الشريفة ضبط حياة الناس وفق منهج الله تعالى
وإصلاح الأرض بمنهج السماء، ولو فهم المشركون على عهد النبي _صلى الله
عليه وسلم_ أن ما يلزمهم من القرآن فقط مجرد القراءة لما حاربوا النبي _صلى
الله عليه وسلم_ وخاضوا معه تلك المعارك الدامية ولكنهم فهموا أن المراد
بالدعوة الإسلامية تحكيم القرآن في سائر الشؤون الخاصة والعامة، والرب
الحكيم العليم الذي اتصف بتلكم الصفات العلى، وتسمى بالأسماء الحسنى يستحيل
عليه أن ينزل كتابه مبيناً للأحكام مفصلاً لأدق تفاصيل الحياة من ثم لا
يكون له غاية سوى أن يتلوه الناس ويرددوا آياته.
وقد أوضح الله أن
استهداء الخلق بما أنزل من كتب هي الغاية التي من أجلها أنزل تلك الكتب قال
الله تعالى:"نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإنْجِيلَ، مِنْ قَبْلُ هُدىً
لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ "(آل عمران: 3،4)، ولما أنزل الله آدم
عليه السلام إلى الأرض بين له أن هدىً منه تعالى سينزل عليه وعلى ذريته،
وعاقبة من اتبع ذلك الهدى وعاقبة من خالفه، فقال:"قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا
جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي
هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ
عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى" (طـه:123،124)، ولقد بين الله سبحانه وتعالى أن
السابقين لو أقاموا ما أنزل إليهم من ربهم لسعدوا في الدنيا والآخرة قال
الله تعالى:"وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإنْجِيلَ وَمَا
أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ
تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ
سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ"(المائدة:66)، وقال الله تعالى في شأن هذه الأمة:
"وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ
وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً،وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً
عَظِيماً، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً" (النساء:66إلى68)،
فالحياة الحقيقية إنما تكمن في تطبيق ما أنزل الله تعالى على رسله، والقيام
بما أوجب الله فيها من الواجبات واجتناب ما نهى الله عنه فيها من
المحرمات.
السلف والحياة القرآنية:
وقد
كان السلف يقرؤون القرآن قراءة من وطن نفسه ليحي به، قال ابن مسعود رضي
الله عنه: "إذا سمعت قول الله تعالى يا أيها الذين امنوا فأرعها سمعك،
فإنها خير يأمر به، أو شر ينهى عنه"(2). ولما نزلت آية الحجاب بادر نساء
الصحابة للالتزام بها، ولما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ،إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)
(المائدة:90إلى91)، قال عمر رضي الله عنه: "انتهينا انتهينا"(3) ولما نزلت
هذه الآية قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إن الله تعالى حرم الخمر
فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع"(4)
فلبث المسلمون زماناً يجدون ريحها في طرق المدينة لكثرة ما أهرقوا منها.
فانظر
إلى سرعة استجابتهم لما به حياتهم، وكذا في تحويل القبلة من بيت المقدس
إلى البيت الحرام، كيف تلقوا الأمر بالقبول وما كان تحويل القبلة إلا
امتحان لهم، امتحان ليعرف الحي من الميت، قال سبحانه: (وَمَا جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ
الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْه) (البقرة: من الآية143)،
فنجحوا في ذلك الامتحان، فمن حديث البراء "كان أول ما قدم المدينة نزل على
أجداده أو قال أخواله من الأنصار وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو
سبعة شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أول صلاة صلاها
صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون
فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قبل مكة
فداروا كما هم قبل البيت"(5).
والفرقان وجعله طريقاً إلى الجنان ونجاة من النيران فيا فوز من جعله رفيقاً
ليكون له في القبر مؤنساً وفي القيامة شفيعاً ومن النار مخلصاً وإلى الجنة
قائداً ودليلاً.
والصلاة والسلام على من قام بالقرآن حتى تورمت قدماه حباً له ولمن أنزله وعلى أصحابه وأتباعه ومن سار على نهجه إلي يوم الدين.
وبعد
فقد منَّ الله تعالى على أمة الإسلام بهذا القرآن الذي فيه نبأ ما قبلها،
وخبر ما بعدها، وحكم ما بينها، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه
الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، والذكر
الحكيم، والصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به
الألسن، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه،
ولم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: "إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا
أَحَداً" (الجن: 1-2)، من قال به صدق، زمن عمل به أجر، ومن دعا إليه هدي
إلى صراط مستقيم.
إن هذا الكتاب الذي لم ولن تر عين أعظم منه ولا
أجل ولا أجمع ولا أبلغ ولا أنفع ولا أيسر وأوضح منه لكفيل بأن يلبي نداءات
الحياة في كافة الميادين والنواحي، فلا غنى للأحياء عنه ولا سبيل للعيش
الذي يستحق أن يسمى عيشاً إلا وفق هديه.
إن القرآن هو الحياة لو عقل
الناس، فالحياة الحقيقية هي التي تسير وفق منهج القرآن، وبغير منهجه فليس
ثمة حياة وإن رآها الناس كذلك، قال الله تعالى: "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ
مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ
لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأنعام:122)، فلا حياة في غير
القرآن كيف وهو الروح فهل حياة بغير روح قال الله تعالى: "وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ
مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا" (الشورى: من الآية52).
وحياة بغير روح لا تكون فمتى سلبت الروح ذهبت الحياة.
ولقد
وصف القرآن الذين عاشوا على غير هديه بالموتى، مع أنهم يأكلون ويشربون
ويروحون ويغدون قال الله: "إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ
الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي
الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ
بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ" (النمل:80، 81).
ووصف الله أولئك
المعرضين عن القرآن بالعمى قال الله تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ
كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى"
(طـه:124-126).
وكيف لا يكون القرآن حياة وفيه كل ما يطلبه العباد
في معاشهم وما يسعدهم في معادهم، فيه نظام الأسرة ونظام المجتمع ونظام
الحكم ونظام القضاء، فيه شفاء الأمراض وتصح العقيدة وتقويم الفكر وتهذيب
السلوك.
فيه بيان حق الوالد على ولده وحق الولد على والده وحق
الحاكم على المحكومين وحق المحكومين على الحاكم فيه بيان حق الفرد على
المجتمع وحق المجتمع على الأفراد فيه بيان حق الزوجة على زوجها وحق الزوج
على زوجته فيه بيان حق الأخ على أخيه وحق أولى القربى وحق الجار على جاره،
وفوق ذلك كله فيه بيان حق الله على عباده، فهل يا ترى تكون الحياة شيئاً
آخر غير ما ذكر؟
لقد أنزل الله كتابه الكريم لنبيه _صلى الله عليه
وسلم_ من أجل غاية وهدف هو إصلاح الدنيا وتحقيق سعادة الآخرة، وذلك الهدف
قد حوى القرآن في ثناياه ما هو كفيل بتحقيقه من الأحكام والشرائع والعظات
والعبر، قال الله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى
عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا، قَيِّماً لِيُنْذِرَ
بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ
يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً" (الكهف:1،2)، قال
القرطبي: "أي مستقيم الحكمة لا خطأ فيه ولا فساد ولا تناقض"(1) وقد فصل
الله تعالى فيه كل ما يحتاجه العباد قال الله تعالى:" وَكُلَّ شَيْءٍ
فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً" (الإسراء: من الآية12)، ولقد أنزل الله الكتب
السابقة على أنبيائه لهذا الهدف وتلكم الغاية، فلم ينزلها الله تعالى من
أجل التذهيب والتقبيل ونحو ذلك بل أنزلها ليحي العباد على هديها قال الله
تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ"
(الحديد: من الآية25)، وقال الله تعالى:"وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ
بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً
لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً
لِلْمُتَّقِينَ" (المائدة:46)، وقال الله تعالى: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً
وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ
فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ" (البقرة: من الآية213).
وغير هذه الآيات
من القرآن كثير تدل على أن القرآن والكتب السماوية قبله وإن كانت البركة
فيها والتعبد بمدارسة القرآن لأمة محمد _صلى الله عليه وسلم_ وبالكتب
السابقة لتلك الأمم من أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى إلا أن الهدف
والغاية الأساسية من هذه الكتب الشريفة ضبط حياة الناس وفق منهج الله تعالى
وإصلاح الأرض بمنهج السماء، ولو فهم المشركون على عهد النبي _صلى الله
عليه وسلم_ أن ما يلزمهم من القرآن فقط مجرد القراءة لما حاربوا النبي _صلى
الله عليه وسلم_ وخاضوا معه تلك المعارك الدامية ولكنهم فهموا أن المراد
بالدعوة الإسلامية تحكيم القرآن في سائر الشؤون الخاصة والعامة، والرب
الحكيم العليم الذي اتصف بتلكم الصفات العلى، وتسمى بالأسماء الحسنى يستحيل
عليه أن ينزل كتابه مبيناً للأحكام مفصلاً لأدق تفاصيل الحياة من ثم لا
يكون له غاية سوى أن يتلوه الناس ويرددوا آياته.
وقد أوضح الله أن
استهداء الخلق بما أنزل من كتب هي الغاية التي من أجلها أنزل تلك الكتب قال
الله تعالى:"نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإنْجِيلَ، مِنْ قَبْلُ هُدىً
لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ "(آل عمران: 3،4)، ولما أنزل الله آدم
عليه السلام إلى الأرض بين له أن هدىً منه تعالى سينزل عليه وعلى ذريته،
وعاقبة من اتبع ذلك الهدى وعاقبة من خالفه، فقال:"قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا
جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي
هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ
عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى" (طـه:123،124)، ولقد بين الله سبحانه وتعالى أن
السابقين لو أقاموا ما أنزل إليهم من ربهم لسعدوا في الدنيا والآخرة قال
الله تعالى:"وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإنْجِيلَ وَمَا
أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ
تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ
سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ"(المائدة:66)، وقال الله تعالى في شأن هذه الأمة:
"وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ
وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً،وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً
عَظِيماً، وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً" (النساء:66إلى68)،
فالحياة الحقيقية إنما تكمن في تطبيق ما أنزل الله تعالى على رسله، والقيام
بما أوجب الله فيها من الواجبات واجتناب ما نهى الله عنه فيها من
المحرمات.
السلف والحياة القرآنية:
وقد
كان السلف يقرؤون القرآن قراءة من وطن نفسه ليحي به، قال ابن مسعود رضي
الله عنه: "إذا سمعت قول الله تعالى يا أيها الذين امنوا فأرعها سمعك،
فإنها خير يأمر به، أو شر ينهى عنه"(2). ولما نزلت آية الحجاب بادر نساء
الصحابة للالتزام بها، ولما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ،إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)
(المائدة:90إلى91)، قال عمر رضي الله عنه: "انتهينا انتهينا"(3) ولما نزلت
هذه الآية قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "إن الله تعالى حرم الخمر
فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع"(4)
فلبث المسلمون زماناً يجدون ريحها في طرق المدينة لكثرة ما أهرقوا منها.
فانظر
إلى سرعة استجابتهم لما به حياتهم، وكذا في تحويل القبلة من بيت المقدس
إلى البيت الحرام، كيف تلقوا الأمر بالقبول وما كان تحويل القبلة إلا
امتحان لهم، امتحان ليعرف الحي من الميت، قال سبحانه: (وَمَا جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ
الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْه) (البقرة: من الآية143)،
فنجحوا في ذلك الامتحان، فمن حديث البراء "كان أول ما قدم المدينة نزل على
أجداده أو قال أخواله من الأنصار وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو
سبعة شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أول صلاة صلاها
صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون
فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قبل مكة
فداروا كما هم قبل البيت"(5).
- مصطفى شحاذةمراقب عام
- الجنس :
عدد المساهمات : 17836
تاريخ التسجيل : 22/01/2010
رد: القرآن والحياة..........
السبت 4 فبراير 2012 - 16:06
جزاكِ الله خير الجزاء
ام بدر
ام بدر
- PRINCESSAمشرفة منتدى حلويات
- الجنس :
عدد المساهمات : 29189
تاريخ التسجيل : 17/12/2009
رد: القرآن والحياة..........
الإثنين 6 فبراير 2012 - 20:56
- ام بدرالمدير العام
- الجنس :
عدد المساهمات : 44330
تاريخ التسجيل : 05/03/2010
رد: القرآن والحياة..........
الإثنين 6 فبراير 2012 - 21:05
- AdminAdmin
- الجنس :
عدد المساهمات : 47055
تاريخ التسجيل : 07/12/2009
رد: القرآن والحياة..........
الأربعاء 8 فبراير 2012 - 23:17
- نهروعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 16844
تاريخ التسجيل : 09/07/2010
رد: القرآن والحياة..........
السبت 11 فبراير 2012 - 2:55
- Foot-Manعضو برونزي
- الجنس :
عدد المساهمات : 2154
تاريخ التسجيل : 28/09/2010
رد: القرآن والحياة..........
السبت 11 فبراير 2012 - 13:48
شكرا على هذا التواصل وتقديم المواضع المفيدة والهادفة
جازاك الله خيرا وبورك فيك
جازاك الله خيرا وبورك فيك
- Bastosعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 14330
تاريخ التسجيل : 21/05/2010
رد: القرآن والحياة..........
الثلاثاء 14 فبراير 2012 - 2:35
بســم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله
جزاكم الله كل خير
و أسأل الله عز و جل أن يجعله في موازين حسناتك
اللهم إنا نسألك الجنه وكل عمل يقربنا إليها
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب
القبر وعذاب النار
السلام عليكم و رحمة الله
جزاكم الله كل خير
و أسأل الله عز و جل أن يجعله في موازين حسناتك
اللهم إنا نسألك الجنه وكل عمل يقربنا إليها
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب
القبر وعذاب النار
- ياسينعضو فضي
- الجنس :
عدد المساهمات : 4375
تاريخ التسجيل : 11/07/2010
رد: القرآن والحياة..........
الثلاثاء 14 فبراير 2012 - 23:47
جازاك الله خيرا وكُتب لك الجنة
- عربيعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 18188
تاريخ التسجيل : 20/12/2009
رد: القرآن والحياة..........
الجمعة 17 فبراير 2012 - 4:04
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مجهود متميز وموضوع جيد ومفيد للغاية
اللهم اغفر لك ولأسرتك و للمسلمين جميعا ما تقدم من ذنب وما تأخر
اللـهم آميـن
- chiguivara_dzعضو برونزي
- الجنس :
عدد المساهمات : 3824
تاريخ التسجيل : 30/11/2010
رد: القرآن والحياة..........
الخميس 23 فبراير 2012 - 21:23
السلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته
جزاكم الله خير الجزاء
ورزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل
- Kojackعضو دهبي
- الجنس :
عدد المساهمات : 12698
تاريخ التسجيل : 29/05/2010
رد: القرآن والحياة..........
السبت 25 فبراير 2012 - 2:34
بارك الله فيك وجازاك الله خيرا
وكتب لك في ميزان حسناتك
وكتب لك في ميزان حسناتك
- ZIDANEمراقب قسم المنتديات العامة
- الجنس :
عدد المساهمات : 30012
تاريخ التسجيل : 13/02/2010
الموقع : https://arab-yes.ahlamontada.com/
رد: القرآن والحياة..........
الجمعة 2 مارس 2012 - 21:58
- Bonaparte2عضو فضي
- الجنس :
عدد المساهمات : 4460
تاريخ التسجيل : 13/09/2010
رد: القرآن والحياة..........
الأحد 4 مارس 2012 - 23:44
- Ibrahimovishعضو برونزي
- الجنس :
عدد المساهمات : 3820
تاريخ التسجيل : 12/10/2010
رد: القرآن والحياة..........
الإثنين 5 مارس 2012 - 4:19
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بارك الله فيكم, موضوع مميز يستحق الاطلاع عليه
وفقك الله
بارك الله فيكم, موضوع مميز يستحق الاطلاع عليه
وفقك الله
- الشيخ-سعدانعضو برونزي
- الجنس :
عدد المساهمات : 3562
تاريخ التسجيل : 04/10/2010
رد: القرآن والحياة..........
الخميس 15 مارس 2012 - 21:10
الف شكر واثابنا واياكم الله تعالى
- Sahtoutعضو فعال
- الجنس :
عدد المساهمات : 1257
تاريخ التسجيل : 09/10/2010
رد: القرآن والحياة..........
الخميس 15 مارس 2012 - 21:23
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
شكرا على الموضوع
ننتظر مواضيعك الجميلة بفارغ الصبر
مزيدا من التواصل والإبداع
شكرا على الموضوع
ننتظر مواضيعك الجميلة بفارغ الصبر
مزيدا من التواصل والإبداع
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى